عشنا بالأمس تفاصيل أحد الأيام العالمية المحتفى بها، كان اليوم العالمي للصحة النفسية، وما أدراك ما الصحة النفسية؛ منبعٌ تنحدر منه كل الأحداث، ومحورٌ تدور حوله كل العلاقات والتعاملات، فالفرد جزءٌ من مجتمعه، يؤثر فيه، ويتأثر به، متى ما تمتعت نفسه بصحةٍ جيدة انتقل ذلك لمن هم حوله، والعكس؛ لو ساءت نفسه سيتضرَّرَ أولئك الذين يبادلونه التعامل، أو تربطه بهم مختلف العلاقات؛ فالزوج الحانق على رئيسه في العمل، يلقي بظلال حنقه على زوجته، والزوجة لن تجد متنفسًا من لوم زوجها، وتعييبه، وسوء معاملته لها، سوى أبنائها، والأبناء ليس أمامهم سوى أخٍ أو صديق ليفجروا جام غضبهم فيه، هذا إذا لم يلتزموا الصمت، ويكبتوا مشاعر الغضب، ويقعوا يومًا بعد يوم فريسةً لاعتلالات نفسية، تكون سببًا في انحرافهم، وخسارة المجتمع لإمكاناتهم وقدراتهم، وهكذا تستمر دائرة التأثير، وتنتقل العدوى من شخصٍ لآخر؛ لأن أحدًا في سلسلة الأحداث تلك لم يستطع تجاوز اللحظة، ولم يتقبل الموقف.
إن القلق، والاكتئاب، والإحباط، والتوتر، وغيرها من تلك الأزمات التي نعانيها، والمشكلات التي نصاب بها، ليست في واقع الأمر خطرًا يداهمنا من تصرفات الآخرين بقدر ماهي ردود أفعالٍ لضعفنا نحن، وسوء تعاملنا مع المواقف التي تواجهنا، أو عدم فهمنا لها بصورةٍ واضحة، ولو حاولنا أن نعكس موقفًا ما، أو نتمهل في ردة الفعل تجاهه لبرهة فقط؛ لكانت النتائج مُرضيَةً فوق ما نتصور، وكذلك لو بادرنا نحن بصناعة موقفٍ إيجابي لتمتعنا بالسكينة والهدوء، ونقلنا ما نتمتع به إلى من يشاركوننا الحياة.
وقف أحدهم أمام أحد تلك الأكشاك التي تبيع القهوة، وأثناء انتظاره لإعداد طلبه أزعجه من يقف وراءه بصوت المنبه أكثر من مرة، تناول الطلب، وتحرك من مكانه ليقف على مقربه، وتقدَّم الشخص المزعج نحو شبَّاك الطلبات، ليجد أن صاحبه قد طلب له كوبًا من القهوة، وقام بدفع الحساب، احمرَّ وجهه خجلًا، وندم على ما فعل. إلى هنا كان الموقف إيجابيًّا؛ غيَّر حالة شخص، وهيأه ليقضي بقية يومه هو ومن حوله في طمأنينة وسكينة، بل ربما كان سببًا في تغيير سلوكه للأبد، غير أن المصيبة فيما سيأتي؛ فلم يكد يقف بجانب صاحبه ليتناول قهوته، ويعرب عن شكره، حتى تحرك الآخر مبتعدًا بمركبته (من باب التأديب)، تاركًا المسكين يبحث من جديد عن مكانٍ في طابورٍ طويل أمام ذلك الكشك!!
لابد أنكم عرفتم الآن لمَ قلتُ أننا نحن من يستطيع صنع المواقف، والتحكم بها، فبابتسامة جاذبة، أو بكلمةٍ حلوة، أو موقفٍ نبيل، أو تجاوز زلة، نستطيع أن نصنع سعادتنا وسعادة من يشاركوننا الحياة.
ودمتم بصحة نفسية عالية.
بقلم: يوسف الشيخي

تحت ظِلال الظروف النفسية
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.mnbr.news/articles/323359.html


