أولئك الذين تُسلِّطُ عليهم أعين الغِبطة الأضواء، وربَّما تتربَّصُ بهم سهام الحسد في الخفاء، هل هم حقًّا سعداء؟
صاحب الجاه والمنصب سعيدٌ في عين الكادح البسيط المتعب. من يسكن القصر المشيد، ويخرج كل يومٍ بمظهرٍ فريد، وبمحض إشارةٍ يحقِّقُ ما يريد، سعيدٌ في عين من قضى جُلَّ عمره خلف قضبان الحديد. من جمع الثروات، وحاز الأملاك والعقارات، وامتلأت خزائنه بالأموال والذهب والمجوهرات، سعيدٌ في عين فقيرٍ معدمٍ اجتمع على مائدته الجوع والألم والمعاناة. من تعالت ضحكاته وقهقهاته سعيدٌ في عين الذي احترَّتْ زفراته وكثرت آهاته. من عقد ذراعه بذراع زوجته وطاف بها المغارب والمشارق سعيدٌ في نظر عانسٍ أو مُفارِق. من رُزِق الأولاد سعيدٌ في عين العقيم، ومن سار على قدميه سعيدٌ في عين السَّقيم.
كل أولئك وغيرهم يبدو أنهم قد حازوا صك السعادة المختوم من وجهة نظر كل محروم، والحقيقة أنه قد ضُرِب بين الفريقين بحجابٍ من ضباب، ظاهره فيه السعادة، وباطنه فيه للبؤس ألف بابٍ وباب، ولو سقط الحجاب وانقشع الضباب لافتُضِح المستور واتضحت خفايا الأمور؛ فما من بشرٍ يستأثر بالسعادة دون بشر، ولا أحدٍ قُدِّر له أن تدوم سعادته إلى الأبد؛ "لقد خلقنا الإنسان في كبد".
السعادة في الواقع ليست إلا ككرةٍ يتقاذفها البشر في ملعب الحياة، يتلقَّفُها هذا، ويمرِّرُها ذاك، وتسقط هنا حينًا ثم تستقرُّ هناك، ليس في نواميسها محترف، ولا يخرج من قواميسها شخصٌ مختلف، لكلِّ واحدٍ من ملامستها حظُّه ونصيبه، فما حظي به لم يكن لغيره، وما ذهب لغيره لم يكن سيصيبه.
المهمُّ القناعة والرِّضا بما كتب الربُّ وحلَّ به القضا.
ولستُ أرى السعادة جمع مالٍ
ولكنَّ التقيَ هو السعيدُ
بقلم/ يوسف الشيخي

هل هم حقًّا سعداء؟
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.mnbr.news/articles/439745.html