بعض ما يمر بنا أو نمر به يظل عالقًا بالذاكرة؛ وما ذاك إلا لِقُبْحِه، أو لجماله، وحسنه، وصدق تعبيره. وهنا سأحكي قصةً قرأتها وتوقفتُ عندها طويلا؛ لأنها جاءت في المقام الثاني؛ مقام الجمال، والحسن، وصدق التعبير.
يُحكى أن ملكًا قام بتربية عددٍ من الكلاب -أجلَْكم الله- ليطرح بين أيديها من لا يعجبه من وزرائه؛ فتنهشَ لحمَهُ، وتكشِفَ عَظْمَه. وذات يومٍ زلَّ أمامه وزيرٌ من أولئك الوزراء، فأمر برميه للكلاب، فقال له الوزير: خدمتك عشر سنين خيرَ ما تكون الخدمة، ثم لا تغفرُ لي زلة! أمهلني فقط عشرة أيامٍ قبل تنفيذ الحكم. فلبَّى له الملك طلبه، وخرج الوزير في التوِّ واللحظة إلى حبس الكلاب، وطلبَ من الحارس أن يَكِلَ إليه رعايتها لمدة عشرة أيامٍ فقط. دُهِشَ الحارس من طلب الوزير! غيرَ أنه رَضَخَ لمطلبه، ولبَّى له. وظل الوزير طيلة الأيام العشرة يطعم الكلاب، ويغسلها، ويرعاها. وانتهت المهلة، وأمر الملك باقتياد الوزير إلى الكلاب لتنفيذ الحكم، وحضر بنفسه يشاهدُ الحَدَثْ. زُجَّ بالوزير في حبس الكلاب الجائعة، وعلى غير المتوقَّع انطرَحَتْ تحت قدميه، تشمُّهُ وتنبح، دون أن تمسَّه بسوء. تعجَّبَ الملكُ مما كان! وسأل الوزير عن الأمر، فأخبره أنه خدم الكلاب عشرة أيامٍ فقط، فحفِظَتْ له حقَّه، بينما خدمه هو عشرة أعوامٍ فما رعى له حقا. طأطأَ الملك رأسه، وعرف خطأه، وتراجع عن أمره، بل وألغى ذلك القرار من يومه.
هكذا وَفَتِ الكلاب، وهكذا غدرَ البشر، ولا زالت صور الغدر تتكرَّرُ كلَّ يومٍ وليلة، تحت سقف مسكنٍ واحد بين أولئك الذين ارتبطوا ببعضهم بعلاقاتٍ طيلة سنوات، ثمَّ تجدهم يتصيَّدون على بعضهم الأخطاء، ولا يغفرون الزلَّل، ويتحينون الفرص، ويبحثون عن مواطن الخلل، وفي لحظةٍ يمزِّقون كلَّ صورةٍ لذكرى جميلةٍ عاشوها معًا! وأولئك الذين يتعايشون معًا في نفس المجتمعات، ويرتكبون بحق بعضهم البعض أبشع الجرائم، ويقتسمون أمام أعين الملأ الغنائم! وكأنَّ مسؤولية الخلافة التي أوكلت إليهم تعني الإفساد والتخريب والإبادة، لا الإصلاح والإعمار والتحسين؛ كما جرت به العادة. فأولئك -لعمري- هم أحق برميهم في حبس كلابٍ جائعة.
إنَّ دهشةً ما وحيرةً تلُفُّ في عُتْمَتِها أذهاننا ونحن نشاهِد بين الحين والحين صورًا لأُلْفةٍ تسود عالم الحيوان، وتعايُشٍ يكتسحُ حياة تلك الكائنات مع بعضها البعض (حتى ما استوحشَ منها، أو لم يكن من جنسٍ واحد) بينما تتحوَّلُ الوحشيَّةُ -بكلِّ أشكالها وعلى تباين واختلاف صورها- إلى عالم البشر؛ وكأنَّ انتكاسةً ما قد حدثتْ، فلم تعد الفِطَرُ سليمة، ولا الموازينُ قويمة!
فهل يصبح الإنسان يومًا ما المتعلِّم بعد أن كان السيِّد والمعلم؟!
- 23/04/2024 نائب أمير مكة يستقبل عدداً من الأمراء والعلماء والمشائخ ومديري الجهات الحكومية والقطاعات الأمنية بالمنطقة
- 23/04/2024 خادم الحرمين الشريفين يرأس جلسة مجلس الوزراء .. ويصدر عددًا من القرارات
- 17/04/2024 مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم في دورتها الـ 44 تنطلق في شهر صفر القادم
- 16/04/2024 أمير منطقة الرياض يحضر حفل تسليم جائزة الملك فيصل العالمية الاثنين القادم
- 16/04/2024 نائب أمير مكة يرأس اجتماع لجنة الحج المركزية
- 15/04/2024 سمو وزير الخارجية يلتقي وزير خارجية أوزبكستان ويوقعان على اتفاقية الإعفاء المتبادل من التأشيرة لحاملي الجوازات الدبلوماسية والخاصة
المقالات > أُلْفَةُ حيوان, وحشية إنسان, وحشية إنسان وأُلْفَةُ حيوان, يوسف الشيخي > وحشية إنسان وأُلْفَةُ حيوان
بقلم : يوسف الشيخي
وحشية إنسان وأُلْفَةُ حيوان
28/07/2023 5:35 ص
بقلم : يوسف الشيخي
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.mnbr.news/articles/355692.html
التعليقات 1
1 pings
عبدالله السبيعي
30/07/2023 في 10:42 م[3] رابط التعليق
مقال مميز ومعبر استاذ يوسف
أشكرك جزيل الشكر على الابداع