في رحلة قصيرة لإنهاء معاملة شخصية في مكتب خدمات المدينة "مدينتي" بحي المنصورة بالرياض، وجدت نفسي أمام تجربة تستحق الثناء، وتجسد واقعًا يؤكد أن أبناء هذا الوطن هم ركيزة التنمية، وهم من يُعتمد عليهم - بعد الله - في قيادة عجلة التحول الوطني نحو مستقبل أكثر تقدمًا وبهاءً.
منذ اللحظة الأولى، كان المشهد مبهِرًا؛ مبنى جميل يحتضنه تنسيق حدائقي أنيق، وتحيط به مواقف واسعة تُبرز عناية خاصة بذوي الاحتياجات؛ مواقف مخصصة، ومزلقانات موزعة في كل اتجاه، تتيح التنقل بانسيابية واحترام كامل لاحتياجات الإنسان قبل الإجراء؛ تفاصيل صغيرة، لكنها تروي قصة وعي كبير.
وبمجرد الدخول، تكشف لك الصورة مستوى آخر من التطور: مبنى متواضع في حجمه، لكنه غني بترتيبه، ونظافته، وتصميمه الذي يهيئ بيئة عملية محترفة ومريحة في آن واحد؛ شاشة ترحيبية كبيرة تُشعر الزائر بأنه موضع اهتمام، ثم نظام إلكتروني يحدد خدمتك والموظف المختص، ومقاعد انتظار مُصنفة لكبار السن وأخرى للمراجعين، في مشهد يعكس تنظيمًا مدروسًا لا مكان فيه للاجتهادات العشوائية.
ولم يكتمل هذا المشهد إلا بضيافة تعبّر عن هوية الوطن؛ قهوة سعودية كما ينبغي أن تُقدّم، بطعم ورائحة وبطراز ضيافة يليق بتاريخها، وإلى جوارها تمر سعودي فاخر يضيف لمسة كرم لا تُنسى.
في أقل من ستين ثانية، ناداني النظام برقم دوري، لأقف أمام موظف يستقبلك بابتسامة صادقة تعكس الرضا والفخر الذي يحمله العاملون نحو مهامهم؛ جميعهم يرتدون الزي الوطني السعودي بأناقة وحضور يليق بواجهة خدمة حكومية تُجسد رؤية وطنية في أعلى مستوياتها.
ما أثار دهشتي أيضًا وجود طاقم تمريض لقياس العلامات الحيوية للمراجعين، خدمة لم أصادفها طوال عقود من تجاربي مع المرافق الحكومية، لتضيف بُعدًا إنسانيًا متقدمًا لمفهوم الخدمة الشاملة؛ ومع وجود مصلى مُهَيّأ بدقة، وأماكن وضوء نظيفة، وعمالة بزي أنيق ومنظم، يكتمل مشهد العناية بالإنسان قبل المعاملة.
ولم يكن التميز مقتصرًا على المواطنين؛ الجميع يُعاملون بالود ذاته والاحترام نفسه، في صورة أصيلة لطبيعة أبناء هذا الوطن الذين لا يفرّقون بين أحد في الخدمة أو الاستقبال أو الضيافة؛ حتى متابعة الطلبات أُتيحت عبر تطبيق إلكتروني حديث يسهم في تبسيط الإجراءات، ويُعزز كفاءة المنظومة.
وعند الخروج، كان جهاز قياس الرضا بانتظاري؛ وضعت إصبعي عليه، وضغطت بقوة وكأنني أقول: "كل الرضا لا يفيكم حقكم".
إنها تجربة تُلخِّص التحول الوطني بمفهومه الحقيقي: خدمات متقدمة، وبيئة عمل راقية، وكفاءة تشغيلية، وتقنيات حديثة، وأهم من ذلك… أبناء وبنات وطن يقفون في الواجهة بكل فخر، ليقولوا بصوت واحد: نحن هنا، نصنع الفرق، ونمضي بوطننا إلى حيث يجب أن يكون.
فحقًا… أبناء وبنات الوطن مفخرة لا بعدها مفخرة، وبهم - بعد الله - يُبنى الوطن، ويتصلح، ويتقدم.



