يحين موعد الاحتفاء في كل عام، فيحلو الحديث عن المعلم، ويطيب الذكر، ويكثر الكلام، لكنْ ثناءُ طالبِ يَظَلٌّ أجملَ وأبهى وسام، وأروعَ ما تُسطِّرُ الأقلام؛ لأن ذلك دليلٌ على الإنجاز، وأنَّ المعلم كان معلِّمًا بالحقيقة لا بالمجاز.
كنت يومًا مشرفًا للغة العربية، فصادفتُ في إحدى المدارس طالبًا سِمَتُهُ الذكاء، وسَمْتُهُ سَمْتُ العقلاء، وله من الأدب والخلُق ما لا يملكه إلا النُّبلاء، فصيح اللسان، جَزْلُ البلاغة والبيان.
ولغاية التحفيز؛ أسمعته شيئًا من الإطراء الوجيز، وأخبرته أني أرى فيه ملامح النابغة، وأنه يومُا ما سيكون ذا شأنٍ وفي مراتب بالغة، وكنت اختاره للمشاركة في بعض المسابقات، وتقديم المناسبات والاحتفالات.
مرَّت بعدها الأيام وافترقنا، فطرق هو أبواب الجامعة، وعدتُ أنا إلى أسوار المدرسة؛ فما من عملٍ الذُّ طعمًا ولا أزكى رائحةً - في رأيي - من بناء عقل، وصناعة جيل.
قلَّ التواصل، وانقطعت الأخبار، وجاء يوم المعلم يؤكد أن الوفاء طبع الأخيار والأحرار؛ فقد صبَّحني ذلك الطالب النجيب - الذي أصبح اليوم طبيب - برسالةٍ يُقرِئُني فيها السلام، ويُلبُسني بعباراتها تاجًا من درِّ الكلام.
رسالةٌ بعث بها لتلامس الشِّغاف، وتزيح عن الكاهل أعباءً ليست بالخِفاف، أَشْرَق بجمالها اليوم، وطفتُ أفاخر بها بين القوم.
ومثل هذه الرسالة رسائل كُثُر، ذاع خبرها وانتشر، أفصحت عن مشاعر يُكِنُّها الأوفياء من الأبناء لمعلمين ذوي فضل، لم تقتصر أدوارهم على تلقين معلومةٍ داخل الفصل، بل أدركوا أن مفهوم التعليم أوسع وأشمل، ورسالته أبلغ وأنبل؛ فترفَّعوا عن كل كلمةٍ نابية، وربَّتوا على أكتاف طلابهم بأيدٍ حانية. معلمون رسَّخوا قيمًا، وشيَّدوا هممًا، وشَحَذوا العزائم للمضي قٌدُمًا؛ فأشرق الوطن بنتاجهم، وتحدًّث الركبان عن منهاجهم. معلمون خٌلِّد ذكرهم مدى الدهر، ودًعَت لهم الألسن في السر والجهر، وسيشفع لهم ما قدموا يوم الحشر.
أوَبَعْدَ هذا يُسأَل معلمٌ لمَ اخترتَ التعليم؟!
بقلم: يوسف حامد الشيخي

لِمَ اخترتَ التعليم؟!
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.mnbr.news/articles/449528.html


