في موسمٍ تفيض فيه الأرواح خشوعاً والمشاعر هيبة؛ برهنت المملكة العربية السعودية – كما عهدها العالم – على قدرتها الفريدة في إدارة أعظم حشود الأرض، فأبدعت في جعل حج ١٤٤٦هـ نموذجاً متكاملاً يجمع بين الروح والاحتراف، بين عبادة الركن الخامس وعلم الدولة الرائدة.
من اللحظة الأولى تجلّت براعة المملكة في فن إدارة الحشود؛ حيث تحركت الملايين بانسيابية لافتة بين المشاعر، وكأن كل حاج يسير على نغمة خفية لا يُديرها إلا وعيٌ جمعيّ قاده تخطيط دقيق وتنسيق أمني مشهود. لم تُسجّل حوادث تُذكر، وعمّ الأمان كل ركن في مشهدٍ يؤكد أن السعودية باتت مدرسة عالمية رائدة في التنظيم المحكم.
وفي القطاع الصحي؛ حضرت الرحمة مدعومة بالذكاء، حيث انتشرت العيادات الذكية، والمستشفيات الميدانية، وتابعت الأجهزة المتقدمة مؤشرات الحجاج الصحية لحظياً، لتتحقق نسبة رضا قياسية تجاوزت ٩٧٪ حسب الإحصاءات المرصودة، حيث كانت الرعاية أشمل وأسرع، لا تعرف تأخيراً ولا ازدحاما.
أما النقل والتنقل؛ فقد جرى كما لو أنه سيمفونية منضبطة، عشرات الآلاف من الحافلات والقطارات والرحلات الجوية سارت وفق جدول متقن، تدعمه أنظمة رقمية وتطبيقات ترشد الحاج وترافقه خطوة بخطوة.
ولأن التقنية أضحت روح هذا العصر؛ فقد كان التحول الرقمي في حج هذا العام لافتاً، من بطاقة “نُسُك” إلى الأساور الذكية، ومن كاميرات الذكاء الاصطناعي إلى تطبيقات التوجيه، فأضحت المشاعر بيئة ذكية، يشعر فيها الحاج بالأمان والمعرفة في آنٍ معًا.
ولا يُذكر هذا التميز إلا ويُذكر معه حكمة وحنكة ورقي القيادة السعودية، التي جسّدها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بتوجيهاته السديدة، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بمتابعته الميدانية وتوجيهاته الدقيقة التي صنعت من الحج قصة نجاح وطنية بامتياز، تتجدد كل عام وتزداد ألقاً.
في حج ١٤٤٦هـ؛ لم تكن المملكة تنظّم موسماً للحج فقط، بل تحتضن العالم بعناية قلبٍ مؤمن، وعقلٍ متقدم، وروحٍ لا ترضى إلا بالكمال.
--------------------
أستاذ القيادة والتخطيط التربوي بجامعة الملك عبدالعزيز



