الحوار هو وسيلة للتفاهم والتعايش الإنساني، وهو أعلى المهارات الاجتماعية قيمةً، به يعبر المرء عن عواطفه ومشاعره واحتياجاته، وهو ترجمان لفكر المتحاور وقيمه وثقافته وبيئته ونفسيته واختلافاته، وهو لغة الأمة المتحضرة؛ فبه أوصل الأنبياء دعوتهم والمربين رسالتهم، وهو أساس لنجاح علاقة الأب بابنه والزوج بزوجته والصديق بصديقه والرئيس بمرؤوسه.
ويحمل الحوار مترادفات كالمجاوبة والمحادثة والمراجعة والمخاطبة والمجادلة والمخاصمة، إلا أن الحوار الفعال هو نوع من أنواع الأدب الرفيع وأسلوب من أساليبه، وهو حديث بين طرفين، بحيث يتم تداول الكلام بطريقة متكافئة، ويغلب عليه الهدوء والبعد عن الخصومة والتعصب والغضب.
ومن روائع أبي تمام في أدب الحوار:
مَن لي بإنسانٍ إذا أغضَبْتُهُ
وجهِلْتُ كان الحِلمُ رَدَّ جوابِهِ
وتراهُ يُصغي للحديثِ بطَرفِه
وبقَلبِه ولعلَّه أدرى به
وورد في كتاب فن الكلام حوار لابنة مع أبيها: "قالت البنت: أريد جوالا يا أبي. أجاب الأب: لا. ردت البنت: وهل كل شيء أطلبه تقول: لا. قال الأب: نعم. قالت البنت: لن أطلب مرة أخرى. قال الأب: أفضل. حوار عادي والنتيجة عادية وهي الفشل في التفاهم حتى يصبح البيت لا حياة فيه.
ولكي يكون الحوار فاعلا ويؤتي ثماره ينبغي اتقان المهارات التالية:
1. التحكم في أجواء الحوار من اختيار الوقت والمكان وظروف الطرفين ووسائل الحوار الملائمة. قال دوستويفسكي: " ليذهب كل الرجال إلى الجحيم، هذا ما ستقوله امرأة غاضبة الآن، وفي الصباح ستجري اتصالا بالجحيم لتخبره أنها لم تسمع نبرة صوته".
2. تحديد موضوع الحوار وترتيب أولوياته، فمن أين نبدأ الحوار؟ سؤال ضروري ينبغي طرحه قبل بدء الحوار، ومن الأهمية الاتفاق على أجندة الحوار أي القضايا الأساسية التي يدور حولها وذلك منهج رباني وجهنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم حين وجه نظر السائل عن الساعة بقوله:" وماذا أعددت لها؟" قال: لا شي إلا أني أحب الله ورسوله. فقال: أنت مع من أحببت".
3. تنويع أساليب الحوار: فاختيار أسلوب الحوار عامل مهم في نجاحه، فالحوار يختلف باختلاف أطرافه فهناك الحوار الزوجي والذاتي والأبوي والمهني، ومن المهم التنوع ما بين السرد والمنطق وضرب الأمثال والإيجاز ونحوه.
4. اتقان الإنصات؛ فالإنصات مرتبط بالعقل والاستماع مرتبط بالأذن، والإنصات هو أن تبدي اهتماما لما يقوله الطرف الآخر، وتطلب منه إعادة الحديث وتوضيح فكرته إذا ما اتسم حديثه بالغموض، وإعطاؤه كامل الحرية في التعبير وإبداء رأيه ووجهة نظره وعدم مقاطعته، كما أن الإنصات الفعال يهتم بلغة الجسد من الابتسامة والبشاشة وهز الرأس والنظر، كما أشارت الدراسات إلى أن نغمة الصوت والمظهر الخارجي للشخص يسهمان بتكوين الانطباع الأولي لدى المتحاورين بنسبة 90%.
5. الإقناع؛ فالحوار ليس هدفا بحد ذاته وإنما هو وسيلة لإيصال فكرة ما تجعل الطرف الآخر إما موافقا أو محايدا على الأقل. والإقناع هو تبادل المعلومات والآراء والأدلة والأفكار حول موضوع الحوار بقصد تحقيق التفاهم المشترك بينهما.
6. إنهاء الحوار بطريقة لبقة بين الطرفين إما بالشكر أو الدعاء أو التوصيات أو طرح أسئلة أخرى أو التلخيص.
ومن الجدير بالذكر أن هناك جملة من القيم الحوارية ينبغي أن يتسم بها المتحاورون:
1. الموضوعية وتجاوز الذات والتفريق بين قناعتنا بالفكرة وقبولنا لها، وبين صحتها، وألا يكون الانتصار على الآخر هو الهدف بل الانتصار للفكرة.
2. الاحترام المتبادل بين الطرفين فأساس العلاقات الإنسانية الحوار وأساس الحوار الاحترام فلا ينبغي الاستخفاف بالطرف الأخر أو استفزازه.
3. الابتعاد عن الحكم المسبق حول الطرف الآخر قبل حواره وقد قيل " تكلم حتى أراك" وقيل " الحوار يفضح العقل، والغضب يفضح الأخلاق".
4. الهدوء في الحوار وتجنب الغضب والانفعالات الغير ناضجة، وتدريب النفس على الضبط الانفعالي.
5. الاعتراف بخطئك إذا أخطأت، والتأكيد على النقاط الإيجابية لدى الطرف الآخر، قال حاتم الأصم:" معي ثلاث خصال أظهر بها على خصمي، قالوا: وماهي. قال: أفرح إذا أصاب، وأحزن إذا أخطأ، وأحفظ نفسي لا تتجاهل عليه".
ختاما: " وجادلهم بالتي هي أحسن"، فالكلمة الطيبة والأسلوب الحسن يقود إلى اطمئنان نفسية المحاوَر مما يدفعه للاستمرار في الحوار، كما أن الانسحاب من الحوار الغير هادف أفضل من الاستمرار فيه.
بقلم : الدكتورة أشواق الحسني

لغة الحوار
05/02/2025 10:16 م
بقلم : الدكتورة أشواق الحسني
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.mnbr.news/articles/423093.html