يعتبر التقدم بالعمر أحد اشكال النمو الإنساني الطبيعي بمعناة النفسي فهو سلسلة ممتدة من عمليات الهدم والبناء تتمثلعمليات الهدم في التخلي عن خصائص وصفات سابقة فمثلا الشخص في مرحلة الرشد تصرفاته وسلوكه تختلف عن تصرفات وسلوك شخص بمرحلة عمرية سابقة كالمراهقة مثلا بالرغم انه نفس الشخص وكان يتصرف نفس التصرفات في مرحلته السابقة والان انتقل لمرحلة الرشد وتغيرت صفاته وسلوكه وهذا هو ما يحدث في كل مرحلة عمرية في حياة الانسان. وعمليات البناء تعني ان الشخصيكتسب صفات وخصائص جديدة تتناسب مع مرحلته العمرية الحالية، كما ان الإحساس بالعمر يختلف من شخص لأخر حسب معنوياته، ونظرته واقباله على الحياة،و يعتبر الخوف من تقدم سنوات العمرمرتبط بخوف الإنسان من مواجهة القادم المجهول او حتى الخوف من حقيقة الموت او دنو الاجل كما يظهر في مرحلة الشيخوخة، او الشعور بالندم على ما فات، كما يكثر في مرحلة منتصف العمر، و ان محاولة تمسكنا بغريزة البقاء تدفعنا دائماً للبحث عن طريقةما لنطيل بها الأعمار بعد مشيئة الله سبحانه وتعالى وتقديره، وهذا يؤكد على وجود دافع فطري موجود لدى كل انسان وهو البحث عن مايساعد سعية الأبدي للحصول على جرعة سحرية تضمن له الحياة الأبدية وتمنحه الخلود الدائمو وجود الهاجس الشعوري الذييجتاح حياة الإنسان في مرحلة معينة من حياته،ويأخذ حيزا كبيرا من التفكير الطويل المغلف أحيانا بالحزن والخوف والقلق مما تبقى من هذا العمر، وما ستؤول إليه الأشياء. هو من أخطاء التفكير التي تؤدي للاكتئاب ويقع فيها كثير من الأشخاص وهو تفسير الواقع بطريقة سلبية وتشاؤمية وبشكل سوداوي محبطهذا الشعور قد يأتي مبكرا لدى البعض، ويخترق أعمارا ما تزال لديها الوقت أن تحقق المزيد، تبدأ هذه المشاعر وتزداد هذه الأفكار في مرحلة منتصف العمر وهيما بين(35 سنة الى 55 سنة) وفق علم نفس النمو او حين اقتراب سن التقاعد وإعلان نهاية الخدمة،وهذه احدى أزمات النمو الإنساني وهو القلق بشأن مضي سنوات العمر يشرع الفرد في هذا النوع من التفكير بالتفكير في كل ما مضى، ويدرك أنه في سباق حقيقي مع الزمن وأن السنوات تمضي بلمح البصر دون توقف ودون أن تنتظر أحداوهذه حقيقة علينا ان نتعامل معها بالتفهم والقبول والتوافق الإيجابي مما يعزز صحتنا النفسية، وما يحدث هو محاولة التوقف كل مرحلة من العمر وعدم الرغبة في التقدم او الخوف من ذلك، وهذا يفسر شعور الإنسان بالخوف والحزن والقلق كلما كبر وتقدم بالعمر، وكأنه يستشعرحدوث تغيير غير مقبول او إحساس باقترابخطر ما .الدقائق والأيام والسنوات كلها تمر مسرعة تاركة هواجس لا حصر لها تتلخص أهمها في فكرة أن الفرص مع العمر تبدأ بالتناقص وربما تقل لدرجة أنها تنعدم تماما.!!إن الأشخاص الذين يخافون من التقدم بالعمر، ويفكرون به كثيرا، يعانون من فوبيا العمر وتكون نظرتهم للحياة محدودة وضيقة ويعيشون دائما بقلق وحزن معتقدين أن الفرص تنتهي بمجرد وصولهم إلى سن معينة،وهؤلاء الفئة عليهم أن يعوا بأنالعمر هو مسؤوليات تؤديها واوقات تعيشها بمتعةوأريحية ليس أكثر، وأن لكل مرحلة من المراحل فرصها وأحلامها وخصوصيتها واندفاعها. لذلك،ينبغي أن يتحرر الإنسان من السلبية ومنتلك الأفكار الخاطئة والمحبطة والبعيدة كل البعد عن التفاؤل والأمل.وما دام الإنسان على قيد الحياة فهو قادر على الحلم والعطاء والإنجاز مهما كان عمره وعليه أن يعي جيدا نقطة مهمة، وهي أن الحياة فقط تنتهي بالموت. وأن الإنسان هو وحده المسؤول عن إسعاد نفسه بالطريقة التي يختارها، وخاصة إذا عرف كيف يتجدد باستمرار ويختلق لنفسه لحظات ممتعة ومميزة كفيلة بأن تشعره بالراحة والسكينة. وأن يكون التفكير في العمر، بشكل إيجابيا محرض على الركض نحو الأهداف والطموحات والتعايش المنطقي والهادف مع ظروف الحياة وتغيراتها.إذالا يمكن لأحد إيقاف الزمن، وعمر الإنسان عبارة عن وقت وزمن، لذلك يجب الاستفادة من كل لحظة من الوقت، لأنها تحسب من عمرك أيها الانسان، كما ان طبيعة الحياة أن الإنسان يمر بمراحل عمرية مختلفة، طفولة، مراهقة، شباب، منتصف العمر، شيخوخة، ولكل مرحلة خصائصها ومميزاتها، والخوف من التقدم بالعمر والقلق بشأنه،لن يغير شيئا على الواقع، ولن يوقف عداد الزمن. ولن يغير سنن الحياة. كما أن الندم والحزن على ما ضاع من فرص في الحياة لن يعيدها مرة أخرى!، كل شيء في الحياة عرضة للخطأ وللتغيير، وقابل للتعديل والإصلاح ويوجد الوقت الكافي لتحقيق ذلك، وفهم وإدراك الحقائق الكونية يجعلان الإنسان أكثر واقعية وأكثر إيجابية وقدرة على التفاعل والإنجاز واستثمار اللحظة. بينما الجهل والإنكار والهروب من الواقع يؤدي الى التيه والضياع والندم والحسرة والإحباط وخسارة كل شيء. ووجودالقلق والخوف فيما يخص الندم على ما فات او الخوف من القادمسيؤديان حتما إلى أمراض جسدية ونفسية ليس إلا، فكل إنسان مهما كان عمره يمكن أن يؤدي دورا يتناسب مع عمره وقدراته وخبراته، إذا أحسن الشخص فهم ذاته والاستفادة من قدراته، وتقدمك بمراحل العمر لا يعني أنك أصبحت شخصا "هامشيا" عديم الفائدة ولا يعني بأنك ستصبح غير قادر على الإنجاز والعطاء، ولا يعني بأن الفرص نفذت، ولا يعني أن تعيش الحزن والقلق والخوف والتفكير ، فكثير من الأشخاص يبدؤون مرحلة جديدة من حياتهم من الإنجاز والتميز والفائدة حتى لو تقدم بهم العمر لمجرد انهم وصلوا لنقطة الوعي والنضج.
_________________________________
* أخصائي اول نفسي وتأهيل الإدمان
عضو الجمعية العلمية السعودية للإرشاد النفسي