مرَرْتُ بها في طريقي، فألقيت السلام على ذلك الركام، وقررت أن أتجوَّل قليلاً بين تلك الأضرحة؛ لأقرأ ما كُتبَ عليها من عباراتٍ مُوضِحَة، فكان مما قرأت:
- حِلْمٌ دَهَسَهُ غضبٌ عابر.
- عفوٌ أصابته طعنةٌ من مُكابِر.
- كلمةٌ طيبة داستها أقدام الشَّناءة.
- صبرٌ لم يصمد في وجه الدَّناءة.
- صِدقٌ حَزَّت عنقه المجاملة.
- نُبْلٌ خَنَقَهُ سوء المعاملة.
- ابتسامةٌ شوَّهتْ معالمها الكراهية.
- ضميرٌ أصيب بجلطة؛ فعجزت عن إنعاشه (لا) الناهية.
وتوقفتُ عند هذا الأخير؛ لأنَّ موته يعني الكثير، وشرد الذهن في رحلة استذكار لتلك التعاملات التي تقف بين الحين والآخر أمام محكمة الشجب والاستنكار: ملاسنةٌ في المجالس وعلى الصفحات؛ لأن فوز الفريق فات، سِبابٌ في الشارع؛ لأن السائق غير بارع، فتاةٌ في هيئة شاب، وشابٌّ في هيئة فتاة، دون خوفٍ أو وَجَل؛ ففي مقبرة الفضيلة يرقد الحياء والخجل، مشهورٌ بلغ الشهرة بِقلَّة الأدب، فيا للعجب! يا للعجب! يا للعجب!
شِبَاكُ الفُحْش باسم الحب تنصب، ولم يعد هناك ما يُعيَّب، شيبة الكبير لم تعد توقَّر، غسيل البراءة في الآفاق يُنشَر، وهنا وهناك مقاطع للضحك والسخرية، ولا بأس بالأخلاق أن تُدمَْر.
انتهت تلك الزيارة، فقررت العودة في اليوم التالي؛ لأضع على باب تلك المقبرة لوحة كبيرة، وأضمنها قول النبي ﷺ : (إن من أحبِّكم إليَّ، وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا... ).