نبدأ هذا المقال من عنوانه المقتبس من المقولة الشهيرة لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- تلك المقولة التي يصعب تجاوز أثرها، فقد شكلت علامة فارقة وبداية النهاية لحقبة من التشدد والغلو التي مرَّ بها المجتمع السعودي في سنواتٍ مضت. كانت تلك الحقبة، على محدوديتها، سبباً في جمود أعاق مسار التحول والتجديد وابتعد عن الوسطية والتيسير، ووقف حجرَ عثرةٍ أمام كل خطوة نحو التطوير، متجاهلاً أن حركة التطوير سنة كونية لا تتوقف، وأن الجمود لا يجلب إلا الانغلاق والتراجع.
لقد تأسست هذه الدولة المباركة على يد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- على مبدأ الوسطية والاعتدال، واستمدت منهجها من قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أُمَّةً وسطاً)، فكانت المملكة منذ نشأتها نموذجاً للإسلام الوسطي وصوتاً للحكمة والاتزان في العالم، تنشر قيم العدل والرحمة وتعكس صورة مشرقة لدينها وأصالتها.
ومع بزوغ عهد جديد انبرى سمو ولي العهد -حفظه الله- لإعادة ترسيخ هذه الوسطية وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، فأنهى تلك الحقبة التي أثقلت المجتمع وواجه أوهاماً صنعتها ظروفٌ زمنية عابرة لن تعود. توازى ذلك مع إطلاق رؤية المملكة (2030) التي لم تكتفِ بمواجهة الفساد، بل أحدثت نقلة هائلة في التفكير ووسعت الأفق الوطني ورفعت سقف الطموح وفتحت أبواباً غير مسبوقة لمستقبل هذا الوطن. ولم يكن الشعب السعودي بمنأى عن هذه النهضة، بل كان شريكاً فيها؛ فقد تفاعل بوعي وصدق مع الواقع الجديد القائم على الوسطية والاعتدال منهجاً للدين والدنيا ورأى فيه خيراً وعدلاً وصواباً. كما كان للدعاة والمصلحين دورٌ مهم في دعم هذه التوجهات إدراكاً للمتغيرات العالمية ومتطلبات الحاضر والمستقبل.
غير أن هذا التحول التاريخي لم يرق للكثيرين في الخارج؛ فتعرضت المملكة وما تزال لحملاتٍ إعلامية مسيئة تُبث عبر منصات التواصل بين الحين والآخر. حملاتٌ ليست وليدة الصدفة، وإنما تأتي نتيجةً لمكانة المملكة الدينية كحاضنة للحرمين الشريفين وثقلها الاقتصادي الهائل ودورها السياسي المحوري في المنطقة والعالم. فالدول المؤثرة تُستهدف والنجاحات الكبيرة تستفز خصومها، وكل خطوة شجاعة نحو المستقبل تثير ضجيج المأزومين.
لكن المملكة، كما اعتادت، لم تلتفت لهذا الضجيج، بل مضت في طريقها بثقةٍ عالية مستندة إلى شرعيتها الدينية والتاريخية وإلى رؤية طموحة تُدار بعقول واعية وقيادة لا تعرف التردد.
وفي ظل هذه النقلة النوعية التي يشهدها وطننا في هذا العهد الزاهر، عدنا -بفضل الله- إلى ما كنا عليه: دولة وسطية راسخة واثقة من هويتها، سابقة في طموحاتها وماضية نحو مستقبل يصنعه أبناؤها. ومع تقدم برامج الرؤية وفي مقدمتها برنامج التحول الوطني تتوالى الإنجازات واحدةً تلو الأخرى وتسبق المملكة مواعيدها في كثير من المجالات في مشهد تطوري متسارع يكاد يُشبه المعجزة.
وها هي المملكة اليوم، بفضل الله ثم بفضل قيادتها الرشيدة وعزيمة شعبها، ترسخ مكانتها بين أفضل دول العالم وتواجه حملات الاستهداف بثباتٍ أقوى وبشعب أقوى من أن تهزه شائعات أو محاولات تشويه. إنها ماضية في ريادتها بثقة لا تعرف الحدود نحو مستقبل يليق بطموحها ورؤيتها ويؤكد للعالم أجمع أن المملكة لا تعود إلى الوراء، بل تعود فقط إلى هويتها الأصيلة وتقدُم إلى مستقبل أعظم.




التعليقات 1
1 ping
هزاع العتيبي
26/11/2025 في 10:14 م[3] رابط التعليق
مقال الكاتب معيض القرني . في غاية الروعه ، وقد أصاب كبد الحقيقه ، في طرحه الكافي الوافي، برؤيه ثاقبه ، اصاب في تحليله العميق ، العوده للجذور بربط بين الماضي والحاضر، وبفاعليّه ، عن طريق تسليط الضؤ على أهميّة إستعادة هويّتنا الفعليّه ، بهذا الطرح العميق نفتح آفاقاَ للتفكير والبحث عن الحلول المستدامه ، بتوفيق من الله .