ودَّعَ العامُ دون أن يُلقي السلام، ولم يُلقِ لوداعنا إياهُ بالًا؛ لأننا لم نُعِرْ حضورَهُ أيَّ اهتمام، فقد كنَّا ما بين نائمٍ اجتازهُ الوقتُ دونما إحساس، ومستفيقٍ اجتاز الوقتَ لاهثَ الأنفاس. وكيف يدري مُنْشَغِلٌ ما قطع من مسافة الطريق؟! أو يُحِسُّ من كان في غيبوبةٍ بقيمة الزمن؟!
نكافحُ لنعيش، ونعيشُ لنكافح، فتنقضي الساعات ونحن ما بين العيش والكفاح في غُدُوٍّ ورَوَاح، وإن بقي من تلك الساعات شيء قضيناه في التفكير، والتخطيط والتدبير، حتى إذا جئنا ننام، تزاحمت كل تلك الأفكار في الأحلام.
انقضى بكورُ العُمْرِ دون أن نشعر بلذَّة، أو نستمتع بلحظة؛ فقد كنا نخطِّطُ للمستقبل، وحلَّ المستقبل وقد تحقَّق جُلُّ المؤمَّل؛ فقلنا: آن الأوان للراحة والدَّعَة، وشيءٍ من اللحظات الممتعة، ثمَّ تراجعنا عن القرار؛ فمَنْ سوانا سيخطِّط للأبناء مستقبلهم؟! ومن الذي سيعينهم ويؤهلهم؟! وعاد شبح المستقبل من جديد، يلوح في الأفق البعيد، وعدنا نخطِّطُ ونُفَكِّر، ونتراجعُ مرَّةً ثم نقرِّر، ومع كلِّ لحظة تفكير يتقدَّم الشَّيْبُ كنذير، لكنه يقابَلُ بالتجاهل؛ لأننا لا نعرف التخاذُل.
سيكبر الأبناء، ويغادروا الدار والفِناء، وتنقضي الأيام، وتتلاحق الأعوام، ويمر الشتاء يتبعه الربيع، ويأتي الخريف يسبقه الصيف، وتمضي بقايا العمر كالطيف، ونحن نلاحق المستقبل، دون أن نَكَلَّ أو نَمَل؛ لأننا اتخذنا القرار، ولا نُحسِنُ الهرب أو الفرار. وسيظلُّ آخر القصة مفتوح، إلى أن يفتقِدَ الجسدُ الرُّوح، قصة التخطيط، والتدبير، والكفاح، وقومٍ لم ينعموا بلحظة ارتياح.
أخيرًا لقد خرج العام من الملام كونُهُ غادر دون أن يلقي السلام؛ فقد ترك له توقيعًا في سجلِّ الزيارات، ودوَّنَ لكل واحدٍ منا صفحةً في دفتر الذكريات، ربما يملؤها الحزن، وربما تملؤها السعادة، لكنها ستظل ذكرى، ومعها عامٌ من العمر مضى.
بقلم/ يوسف الشيخي

عامٌ من العمر مضى
18/07/2023 9:55 ص
بقلم/ يوسف الشيخي
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.mnbr.news/articles/354305.html


