في موسمٍ تهادى فيه ضيوف الرحمن من أطراف الأرض، أبهرت المملكة العربية السعودية العالم بملحمةٍ إدارية وأمنية وإنسانية ناصعة، أكّدت أن خدمة الحجيج شرفٌ لا يُضاهى. بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، أثبتت المملكة أن النجاح في هذا المضمار دَيْدَنُ هذا الوطن المبارك.
لقد كان حج هذا العام أنموذجاً يُدرَّس في الإتقان والانضباط، بفضل تنظيم صارم وتخطيط دقيق، فكانت عبارة "لا حجّ بدون تصريح"قانونًا نافذًا حمى الأمن وصان النظام وضمن راحة الحجاج. الجهود تواترت وتكاملت من مختلف أجهزة الدولة بلا استثناء، كلّ يعمل في مجاله دون انتظار شكر، بل تسابقًا إلى نيل الشرف.
وزارة الدفاع بقيادة الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز شكّلت سدًا منيعًا لحماية أمن الحجيج، فيما كانت وزارة الداخلية بقيادة الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف العين الساهرة على الحشود، تُدير التفويج بدقة وانضباط. أما وزارة الصحة برئاسة فهد بن عبدالرحمن الجلاجل، فقدمت رعاية طبية ووقائية متكاملة، وسَطّر أطباؤها والممارسون الصحيون بطولاتٍ في التفاني والسهر على راحة الملايين.
وقد نجحت وزارة الحج والعمرة بقيادة الدكتور توفيق بن فوزان الربيعة في التنسيق المحكم، فجعلت تجربة الحاج منظومة تبدأ من بلده وتنتهي بعودته سالمًا. وفي الجانب التوعوي، كانت وزارة الشؤون الإسلامية بقيادة الشيخ الدكتور عبداللطيف آل الشيخ حاضرة ببصمتها المضيئة في التوجيه والإرشاد، متمثلة في صوت العلم والعقيدة بالحكمة والموعظة الحسنة. كما كانت فرق الهلال الأحمر والطوارئ في الخطوط الأمامية، تُسعف وتغيث وتُجسد روح الإنسانية المتجذرة في هذا الشعب النبيل.
ولا يمكن الحديث عن هذا الإنجاز دون الإشادة بأولئك النبلاء من المتطوعين، الذين جادوا بأوقاتهم وجهدهم لخدمة الحجيج. فالعمل التطوعي في موسم الحج ليس مجرد مساعدة، بل هو تجلٍّ للفطرة السعودية الأصيلة في الكرم والمروءة. رأينا آلاف المتطوعين من الجنسين يرشدون ويسعفون ويحملون وينقلون، ويفتحون صدورهم للحجيج دون انتظار جزاء. أما الكشافة السعودية فكانت مثالاً للانضباط والجاهزية، يلبّون النداء في الحرم والمشاعر والمخيمات بروح عالية وسلوك يشبه الجنود في الميدان.
ولا يفوتنا هنا أن نثمّن دور الإعلام الوطني الذي كان لسانًا ناطقًا وعدسةً صادقة، نقل الحدث بمهنية ورفع من مكانة الوطن بوسائل تقليدية وحديثة، وبكفاءات إعلامية وطنية تتحلى بالحس الوطني والاحترافية العالية.
من أرض الجزائر العربية، أكتب مشدوهاً بهذا الإنجاز المذهل، ومغتبطاً بما صنعته القيادة السعودية وشعبها الكريم في خدمة ضيوف الرحمن. إن النجاح لم يكن صدفة، بل ثمرة جهود جبارة وتنسيق محكم وشعبٍ عظيم يقف خلف قيادته بكل حبّ ووفاء. المملكة، وهي تخدم ضيوف الرحمن، تؤدي رسالة السماء على الأرض، بوجهٍ مشرق ولسانٍ عربي مبين.
فلكَ يا خادم الحرمين الشريفين، ولكَ يا ولي العهد الأمين، كلُّ التقدير والدعاء، ولبواسل هذا الشعب السعودي النبيل التحية والإجلال.
ومن قلبي كجزائري عربي، أقولها ملء الفم: "بارك الله فيكم، ونِعمَ ما صنعتم، وسدد الله خُطاكم."
اللهم احفظ هذا البلد آمناً مطمئناً، سخاءً رخاءً، وسدّد خُطى قيادته وأهله في كل حين.