لقد فرض العصر الحديث وتحدياته وتقنياته مشاغل عديدة على الأبوين، مما أثر على دورهما الطبيعي تجاه أبنائهما في تهيئة الظروف الملائمة لنموهم الجسدي والمعرفي واللغوي والسلوكي والاجتماعي.
وعلى الرغم من الآثار الإيجابية للتقنيات الحديثة، من هواتف ذكية وإنترنت وتطبيقات ترفيه ومواقع تواصل اجتماعي، على الأسرة في تقريب المسافات والتواصل المستمر مع الأهل والأصدقاء وسهولة البحث عن المعارف والمعلومات والوظائف المستقبلية، ودعم عملية التعليم والتعلم، إلا أن هناك العديد من الآثار السلبية عند الإفراط في استخدامها، والمتمثلة في إهدار الوقت، وزيادة الفجوة بين الآباء والأبناء، والعزلة الاجتماعية، وقلة الزيارات الأسرية، مما يؤدي إلى تدهور العلاقات الأسرية.
وانتشرت العديد من القنوات التي يشاهدها الأبناء على يوتيوب أو تيك توك أو التلفاز وغيرها، دون حسيب أو رقيب من الوالدين، وما تحمله تلك القنوات من مقاطع العنف أو القيم التي تتنافى مع طبيعة المجتمع.
وقد أورد كتاب كيف أحمي طفلي دراسة حديثة أجريت في اليابان، حيث تم إجراء كشف بالأشعة المغناطيسية على أدمغة 276 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 5 و18 عامًا، والذين كانوا يقضون يوميًّا متوسط ساعتين لمشاهدة التلفاز في مرحلة طفولتهم المبكرة، فأظهرت النتائج زيادة في المادة الرمادية في الفص الصدغي الأمامي، مما يعني انخفاضًا في معدل الذكاء اللغوي للطفل، والذي يعتبر الأساس الذي يقوم عليه أداء الطفل الأكاديمي فيما بعد. كما أن الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال أوصت بعدم جلوس الطفل أمام الشاشات قبل بلوغه عمر السنتين، وذلك لأن دماغ الطفل الوليد يتطور ويتحفز من خلال التجربة والاكتشاف والتفاعل مع الوالدين والبيئة المحيطة، ومكوث الطفل أمام التلفاز سيحرمه من المرور بمثل هذه التجارب، وبالتالي يحد من تحفيز تطور مناطق الدماغ المسؤولة عن الوظائف المختلفة مثل اللغة والمنطق والانتباه والذاكرة وغيرها.
وقد أفادت دراسة سيونج جو كيم، التي أجريت على 217 من الآباء المقيمين في سوون بكوريا الجنوبية ولديهم أطفال في المدرسة الابتدائية، بأن الأطفال الذين يقضون وقتًا أطول في متابعة الوسائط الإلكترونية والتعلم عبر الإنترنت اكتسبوا وزنًا أكبر، وأمضوا وقتًا أقل في الأنشطة البدنية بنسبة 97% من عينة الدراسة، إضافة إلى أن يوتيوب كان الأكثر مشاهدة بنسبة 87%.
فيما أفادت دراسة بوغابة وصانع (2023) بأن مشاهدة الطفل يوتيوب وقناة شفا - (أنموذج الدراسة) - يجعلان الطفل يقضي الكثير من الوقت بمفرده بعيدًا عن الأسرة، إضافة إلى أن بعض المقاطع التي تعرض على قناة شفا قد تتضمن سلوكيات خاطئة، كما أن كثرة استخدام يوتيوب ومشاهدة قناة شفا تقلل من تفاعل الطفل ونشاطه الاجتماعي.
وأشارت دراسة هاري غنتر إلى أن المنصات الترفيهية ومواقع التواصل الاجتماعي لها تأثيرات سلبية على طلاب المرحلة المتوسطة من حيث التعرض للدراما والتنمر واضطرابات النوم والإلهاء عن الدراسة.
لذا، من الضروري على الوالدين مراقبة أبنائهم من خلال المتابعة المستمرة، وتحديد وقت المشاهدة أو التواصل، وتدعيم الرقابة الذاتية لدى الأبناء. كما أن هناك العديد من التطبيقات التي تساعد على ضبط عملية المراقبة، منها:
تطبيق Screen Limit: يُستخدم لغلق الأجهزة بعد مدة من الاستخدام.
ميزة Safe Search: تُستخدم كفلتر آلي للمحتوى غير اللائق في Google.
أداة KidRex: أداة آمنة لتصفح الأطفال من Google.
تطبيق Mobicip: نظام لمراقبة الأبناء، حيث يحدد وقت المشاهدة، ويتيح قائمة بالمواقع المسموحة والمحظورة، ويقدم تقريرًا مفصلًا عن استخدام الإنترنت.
ختامًا:
أبناؤنا هم المستقبل الحضاري لهذه الأمة، فاستثمروا في تربيتهم من خلال المراقبة والتوجيه والنصح والدعم.



