بعض -أقول بعض- طرق السيارات في منطقة الباحة بختها من الدنيا، وحظوظها من التنمية والرعاية كحظوظ بعض البشر، بختهم وحظوظهم من الدنيا بخت أسود، وحظ سيئ، فهي تحيا حياة الأموات ما بين صوت اللّحود وخشخشة التّراب؛ كشخصيّة غالب في رواية القندس للروائي السعودي محمد حسن علوان.
وبعض -أقول بعض- الطرق في منطقة الباحة، حظها من الحياة كحظ الإنسان، حينما يتمتَّع بالحقوق ويقدِّم الواجبات، فتزدان بالرداء الجديد، وتتدثَّر بالثوب الوثير، وتكتسي بالحلَّة القضيبة، كلَّما طالها فتق صغير، أو لامسها (سخط) يسير، وكثيرًا ما ترصَّع بألوان الحلي عن اليمين والشمال كأنَّها عروس تُزفّ إلى عريس.
وبعض الطرق في منطقة الباحة تلبس رداءين: رداءً للصيف، ورداءً للشتاء، وبعض الطرق برضه لا تعرف إِلَّا ذلك الرداء المقطَّع، والثوب البالي، والكساء الخرق، حينما يجود عليها أهل النهى.
سأضرب مثالين اثنين يُغنيان عن سرد الأمثلة، فعليَّ المثال، وعليكم القياس:
المثال الأول: من نهاية مستشفى الملك فهد للرائي نحو بلاد زهران، تنقطع سبل الطريق المزدوج بمطبَّين كبيرين تربخ فيهما السيارات على مقدِّمتها وَمُؤَخَّرَتهَا ضربة لازب؛ كأنَّها سفينة تعلو بها في ساحة اَلْيَمّ وهو جُفُول، وتموج بها كموج البحر أرخى سدوله؛ ليأتي من ثمة مسار الطريق على طول امتداده محشورًا بالسيارات والعابرين نحو محافظة بني حسن، وصولاً إلى محافظة المندق التي بختها من الدنيا وحظوظها من الحياة أنَّها محافظة صحيّة (عالميَّة).
هل قلت صحيَّة؟
نعم. . يا صاح، وثاني مدينة تمّ اختيارها في 1998م، وعام، وعام.
المثال الثاني: مرورًا بغابة رغدان، حتى نهاية حدود الغابة نفسها، وأنت في سعة من أمرك، وسعة في صدرك، وسعة في بصرك؛ ولكن ريثما تتخطَّى آخر عتبة من ذلك الطريق، تصطدم بضيقة في أمرك، وضيقة في صدرك، وضيقة في بصرك، حينما تجتمع في مسارك ضيق الطريق، وتهالك الأزفلت، والتواء المسارات.
وأيم الله لا تفصل عن قريتي البارك؛ فضلاً عن معظم قرى قبيلة بيضان باتجاه بلاد زهران سوى بضعة كيلومترات، بل أجزم أنَّ المسافة ما بين قريتي وصولاً إلى ما يسمَّى بالخط السياحي، أو طريق المندق سوى ثلاثة كيلومترات على أكثر تقدير؛ ولكنَّه الحظ العاثر، والبخت المائل.
هل قلت حظًّا عاثرًا، وبختًا مائلاً؟
نعم. .؛
فقد قيل: "جاور الماء تعطش".
"وأسيرُ وحدِي والحياةُ كأنَّها
نغماتُ حزنٍ صامتٍ بفؤادِي
طالَ الطريقُ وبالطريقِ حكايةٌ
بدأتْ بفرحِي وانتهتْ بسُهادِي"