ربما يكون القليل من الناس فقط هم الذين يتصرفون بطريقة مختلفة، طريقة تنم عن شخصيات رائعة، وأفعال من شأنها أن تترك أثراً إيجابياً يستمر لسنوات طويلة في نفس الطرف الآخر، وفي نفوس كل من يشاهد الموقف أو يسمع عنه، ومن المؤكد أن من يقوم بتلك التصرفات الرائعة لا يتصنع أو يتكلف أو يحاول استعطاف الناس، أو رسم صورة محددة عنه؛ لأنه باختصار شخصٌ رائع في كل حالاته.
ومن القصص الرائعة في هذا المجال قصة رجل الأعمال الذي وجد طفلاً يبيع الأقلام في أحد محطات القطارات، ويستغل ذلك في استعطاف الناس وطلب المال منهم، حيث قدم رجل الأعمال إلى الطفل ووضع دولاراً في وعائه، ثم انطلق إلى وجهته المقصودة، وبعدها بدقائق عاد إلى الطفل وقال له: لقد أعطيتك دولاراً ونسيت الأقلام التي اشتريتها، وأنت رجل أعمال مثلي ولديك بضاعة مميزة، ثم أخذ الأقلام وذهب، وبعد عدة سنوات حضر شابٌ أنيق إلى مكتب رجل الأعمال الذي اشترى منه الأقلام، وقال له: إنني متأكد أنك لا تذكرني وأنا لا أعرف اسمك ولكنني لن أنساك ما حييت؛ لأنك الشخص الذي أعاد لي احترامي وتقديري لنفسي، بعد أن كنت أظن أنني شحاذ وأخبرتني أنت بأنني رجل أعمال.
هذه المواقف وتلك العبارات المؤثرة لا تصدر إلا من الأشخاص الرائعين، الأشخاص المختلفين الذين لا يتصنعون ولا يتكلفون ولا يتعمدون الاختلاف، لأنهم ولدوا رائعين واستمروا بصفاء نفوسهم وحبهم للناس ورغبتهم في ترك الأثر، وفي نفس السياق فإن المثال السابق ينطبق على من يعمل في مهنة قيادة سيارات الأجرة، وتحديداً الذين يترددون على المطارات الدولية ويقومون بتوصيل المسافرين القادمين من دولهم لوجهاتهم المحددة، فمن وجهة نظري أنهم سفراء لبلدانهم؛ لأنهم يعطون انطباعاً أولياً لكل المسافرين الواصلين من دولهم عن بلدهم وعن شعب ذلك البلد، في حين يرى من يقوم بتلك المهنة أنه مجرّد "كدّاد"، أو سائق فقط.
ومن الذكريات المؤسفة التي حصلت لي أثناء حضوري لدورة تدريبية في إحدى الدول العربية قبل عدة سنوات، أنني كنت أعتقد أن الدكتور المحاضر لنا في الدورة التدريبية هو شخص مهني ومحترم، لكنه كان عكس ذلك تماماً، فقد تبين فور انتهاء الدورة أنه كان يتصنع ويتظاهر بالاحترام، في حين أنه كان يخطط للحصول على تقييم مميز في تلك الدورة، وبعدها يعود لشخصيته الحقيقية، التي لا أبالغ إن قلت أنها في قلة الأدب، لكنني وجدت في تلك الدولة سائقاً "أميناً" رسم انطباعاً ممتازاً عنه وعن بلده، وكان في قمة الاحترام والصدق والأمانة، بعكس ما كان عليه المدرب الذي يحمل شهادةً عليا، لكنه يحمل معها عقلية صغيرة ونفساً دنيئة، خرج من خلالها بمكاسب وقتية وخسر مكاسب أخرى لا تقارن بما حصل عليه من عوائد مالية فقط، بينما خسر الاحترام والتقدير والصورة الإيجابية عنه فقط ولا أقول عن بلده؛ لأنه باختصار لا يمثل إلا نفسه الوضيعة.