محافظة العرضيات تلك المحافظة الهادئة والغنية بإنسانها وإرثها التاريخي والثرية بعاداتها وتقاليدها وأثارها التاريخية الضاربة في عمق الزمن، لم تكن معروفة بالشكل الذي يُرضي أبناءها، بل كانت كالسِفر القديم القابع على رفوف الزمن ينتظر من يقرأ حروفه ويتأمل أبجدياته ويُفصح عن تفاصيله.
كان تاريخ العرضيات مجرد حكايات شفهية يتناقلها السّمار ويوردها كبار السن في مجالسهم كلٌ حسب ميوله في سردية لا تخلو من المبالغة أحياناً ومن العنصرية في أحيان كثيرة.
وظل هذا هو الحال السائد حتى تقدم الصفوف لإزاحة الستار عن تاريخ العرضيات علمان بارزان من أعلام هذه المحافظة وأبناءها البررة وهما الأستاذ الشاعر والكاتب محسن السهيمي والأستاذ الكاتب والباحث في تاريخ العرضيات عبد الهادي بن مجني فأصدرا كتابين متزامنين الأول بعنوان ( العرضيات في حرفي ..عوائق وإنساناً ومكاناً وثقافة ) للأستاذ محسن السهيمي والثاني بعنوان ( العرضيات ما أهمله التاريخ ) للأستاذ عبدالهادي بن مجني ، ولاشك في أن العمل على صدور هذين الكتابين في وقت واحد يُعد لفتة ذكية من الكاتبين الكريمين لكي يتحد العمل ويتعزز الحرف وتتظافر الجهود في تسليط الضوء على الجوانب شبه المهملة والمغيبة أو المخفية من تاريخ العرضيات .
في البداية دعونا نبحر على ضفاف الإصدار الأول لشاعر العرضيات وكاتبها الأستاذ محسن السهيمي ونمتطي معه مراكب الشعر ليمضي بنا عبر قوافي شعره على معالم العرضيات ابتداءً من قريته قرية ( الشاظي) مروراً بوادي قنونا ووادي يبه ثم يحلق بنا على قمم جبال العرضيات ليمنح تلك الجبال قلائد شعره الخالدة ، ولم ينس شاعرنا أن يسجل بعض اللحظات الجميلة التي عاشها فأنشد لوالديه شعراً رقراقاً ، وامتدح بعضاً من زملائه المعلمين والكتاب ، وشارك بشعره في أغلب الفعاليات والاحتفالات التي أقيمت في محافظة العرضيات.
أما في الفصل الثالث فقد جمع المؤلف بعضاً من مقالاته التي نُشرت في بعض الصحف المحلية والمتعلقة بالعرضيات إنساناً ومكاناً ، وفي الفصل الرابع أتى المؤلف على مراحل الحركة الثقافية في العرضيات وقسمها إلى أربع مراحل وتطرق إلى نِتاج أبناءها الأدبي من مؤلفات وإصدارات ، ولايسعني في هذه المقالة إلا أن أشكر الأستاذ محسن السهيمي على الاحتفاء بمجموعتي القصصية ( ومضات من القرية ) عندما كان رئيساً للجنة الثقافية بمحافظة العرضيات وذلك حين تم استضافتي في مقر اللجنة عام 1437هـ ، كما أشكره على الإشارة إلى هذه المجموعة القصصية عبر إصداره هذا.
أما في الفصل الخامس فقد تطرق فيه المؤلف إلى معالم العرضيات من حصون وقلاع وعجائب الصخور وكذلك السدود والأودية والجبال والنقوش والمناجم والحدائق والميادين والأسواق.
وكان الفصل السادس والأخير مخصصاً لمعجم العرضيات وتطرق فيه إلى الكلمات التي لاتزال متداولة على ألسنة أهالي العرضيات وهي ذات أصول فصيحة.
وعندما نأتي للحديث عن الإصدار الثاني والذي كان بعنوان (العرضيات ما أهمله التاريخ) للباحث والكاتب عبد الهادي بن مجني فلا يسعنا إلا أن نهني أنفسنا نحن أبناء العرضيات بهذا الإصدار الثمين ونشكر الأستاذ عبد الهادي بن مجني على جهده المتواصل وبحثه المضنى والمتعمق في تاريخ العرضيات حتى أخرج لنا هذا الكتاب والذي بلا شك سيصبح مرجعاً تاريخياً لكل من أراد أن يبحث في تاريخ العرضيات.
ولعل ما يميز هذا الإصدار هو اعتماد مؤلفه على المنهج العلمي في البحث التاريخي وذلك بالعودة إلى بعض المخطوطات والوثائق التاريخية التي تطرقت إلى العرضيات، ولم يكتف بذلك بل بادر إلى الوقوف شخصياً على بعض الشواهد التاريخية من أثار ونقوش وكذلك استئناسه بما أورده بعض المثقفين في المحافظة، وبما أورده كبار السن ممن عاشوا في القرن الماضي وعاصروا بعض الأحداث التاريخية في محافظة العرضيات.
وفي هذا الإصدار نجد أن المؤلف تطرق في الفصل الأول إلى جغرافية المحافظة ولمحات من تاريخها في المخطوطات والوثائق التاريخية وفي الأرشيف العثماني، ثم تطرق إلى النقوش والأثار والنقوس واللهجات وتعاشيب اللغة في العرضيات، وكذلك بدايات التعليم والحياة العلمية الفكرية ووسائل الثقافة في منتصف القرن الماضي بالعرضيات.
أما في الفصل الثاني فقد تناول المؤلف بعضاً من زيارات المسئولين لمحافظة العرضيات ثم تطرق إلى أسماء وأعلام المحافظة وأعيانها وكذلك الرموز الإعلامية في مجال الصحافة والإعلام، ثم أتى على بيان طرق المواصلات في المحافظة.
وفي الفصل الثالث والأخير تحدث المؤلف عن حياة الناس في العرضيات وعاداتها وتقاليدها، ثم أشار إلى بعض روايات المغتربين التي تطرقت إلى العرضيات مكاناً وإنساناً واتخذت ذلك كمحتوى لتلك الروايات، ثم ذكر المؤلف بعضاً من مشاهدات الرحالة والمستشرقين الذين وصلوا إلى العرضيات، وحرصاً من المؤلف على الأمانة العلمية التي انتهجها في كتابه فقد أرفق في الملحق عدداً من الوثائق والمخطوطات التاريخية التي أشار إليها في ثنايا الكتاب.
وفي الختام فإنه حريٌّ بنا - نحن أبناء محافظة العرضيات - أن نحتفي بهذين الإصدارين كونهما أضاءا معالم الطريق أمام الباحثين في تاريخ العرضيات وحازا قصب السبق في الإبحار في تاريخ المحافظة وتدوين ذلك عبر هذه الإصدارات لتصبح مرجعاً لكل باحث ووثائق تاريخية يشار إليها بالبنان كلما تقدم الزمن .
المقالات > السهيمي وبن مجنّي يُضيئان قناديل التاريخ في العرضيات, حسن الشمراني > السهيمي وبن مجنّي يُضيئان قناديل التاريخ في العرضيات
بقلم: حسن الشمراني

السهيمي وبن مجنّي يُضيئان قناديل التاريخ في العرضيات
06/09/2025 8:25 م
بقلم: حسن الشمراني
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.mnbr.news/articles/447214.html


