أمام إحدى الإشارات الضوئية بالكاد توقفت إحدى السيارات وهي تتراقص كأنها جان فيما صوت الشيلة يضج من داخلها وكأنه يبحث عن مخرج ، وماهي إلا لحظات حتى خرج منها مجموعة من الشباب ليمارسوا الرقص على أنغام هذه الشيلة المزلزلة .
لم نعد نعرف كم عدد الإضاءات الخضراء والحمراء التي انبعثت من الإشارة المرورية الرابضة في استحياء على ناصية الشارع ، فما يحدث أمامنا من فوضى راقصة جعلنا ننسى أننا نقف أمام هذه الإشارة خصوصاً وقد اختلط الحابل بالنابل وأصبح الرقص جماعياً بعد أن سارع بعض سائقي السيارات الأخرى بمشاركة هؤلاء الشباب في رقصهم الجنوني على أنغام شيلتهم المفضلة وقيام البعض الآخر بتصوير هذه الاحتفالية المفاجئة .
لقد انتشرت الشيلات في مجتمعنا انتشار النار في الهشيم خصوصاً بعد مباركتها من قبل بعض الدعاة والمشايخ والذين قد لايرون حرجاً في سماعها مادام أنها لاتحتوي على أنغام موسيقية ، وكأن المجتمع كان بانتظار هذه الإباحة ليفجّر الطاقات الإنشادية التي كانت محبوسة في قلوب أفراده طيلة العقود الماضية ، ولاشك أن ثورة الاتصالات وسهولة التواصل مع الأخرين قد خدم هذه النوع من الشيلات وأفرز مضامين مختلفة وغير مسئولة في كثير من الأحيان .
وحيث أن الشيلات فن من الفنون التي يحق للإنسان أن يعبر من خلالها عن شجونه وأفراحه وأتراحه ، ولكن الواقع يشهد بغير ذلك فقد اتخذت هذه الشيلات منحى أخر وسلكت بمفرداتها طرقاً وعره ، وجاءت بتجاوزات غير محمودة وصل بعضها إلى ملائكة الرحمن ، بل إن بعضها أصبح وقوداً للتعصب القبلي وادعاء البطولات الفارغة نظراً لما تتضمنه من شعارات قبلية ومفردات عنصرية تعيد مجتمعنا إلى المربع الأول بحيث تساهم في زرع الفرقة وبثّ التباغض والشحناء بين أفراد المجتمع ، ناهيك عن التلوث السمعي الذي تحدثه هذه الشيلات ، والأثر التربوي الذي قد تحدثه على جيل الشباب وهم أكثر من يستمع لها ويتأثر بمفرداتها ومضامينها.
فإلى أين سيأخذنا هذا النوع من الشيلات ياترى ؟ لابد أنه سؤال يحتاج إلى وقفة تأمل من الجميع .