قد يرى البعض أن عنوان هذا المقال يصلح لأن يكون عنوان رواية بدلاً من كونه عنواناً لمقال ، وهو في الحقيقة كذلك ، إنها رواية كَتبت أجهزة الجوال الذكية فصولها ونَسجت التطبيقات الذكية أحداثها ، لقد أدهشتنا حتى أصبحنا نحن أبطالها ونحن من يرسم مشاهدها وعقدها الروائية ، فكم من أسرة فقدت عائلها أوحبيبها نتيجة التفاتة سريعة إلى شاشة الجوال ، وكم من لقطة عابرة أو رسالة ظلت طريقها إلى جوال أحد الزوجين فشتت شمل الأسرة وفرقت بين زوجين متحابين .
إنها روية لم تنتهِ مشاهدها بعد ، ولم تكتمل فصولها وأحداثها ، لقد صنعت في دواخلنا شيء من الانفصام ، فنحن نعلم ، بل ونكاد نتيقن بأن الادمان عليها مضر بصحتنا وبوعينا وبحياتنا بصفة عامة ولكننا مع ذلك نصر على التعلق بها ، وعدم مفارقتها ، وأهدرنا الأوقات الثمينة من حياتنا ونحن نتصفحها ونتجول بين تطبيقاتها وبرامجها .
لقد جعلتنا هذه الأجهزة نعيش في شبه عزلة عن محيطنا العائلي ، بل ومحيطنا المجتمعي أيضا، ولكن هذه العزلة هي في حقيقة الأمر عزلة مشتهاة ، فنحن من نبحث عنها ونعيش لحظاتها بكل فرح وسرور.
ولن نذهب بعيداً فالأمثلة حولنا كثيرة ومتنوعة فهذا أبٌ يدخل إلى منزله فلا يكاد يسمع همساً ، فيبحث عن أبناءه فإذا هم في عزلتهم المشتهاة مع جوالتهم الذكية يجوبون أصقاع العالم بلمسة واحدة من أناملهم ولكنهم معزولون عن محيطهم الأسري .
أما إذا قُدر لك وكنت مدعواً إلى إحدى الولائم فما عليك إلا أن تجول بنظرك في جنبات القاعة لترى أن 90% من المعازيم على أقل تقدير متشبثون بأجهزتهم الذكية وكأنهم يخافون عليها من الضياع ، لاترى إلا ابتساماتهم وهم يتبادلون نكاتهم عن طريق الواتس آب ، أويعلقون على المقاطع المرسلة بالقروبات ، تجلس إلى جوار أحدهم لكي تتبادل معه أطراف الحديث أوتسأله عن أحواله فيجيبك وعينه متسمرة على شاشة جواله ، إما إذا حدثتك نفسك في أن تفتح معه أحد المواضيع الطويلة إما محبة في الاستمتاع بالحديث معه أو تمضيةً للوقت فتأكد بأنك ستصبح وحيداً بعد أن يبحث له عن حيلة للانتقال إلى مكان آخر غير المكان الذي تجلس به لكي يواصل عزلته المشتهاة مع جواله المبجل.
إنه زمن العزلة المشتهاة .
التعليقات 1
1 ping
أبو علي
19/08/2017 في 3:53 م[3] رابط التعليق
بالفعل أصبحت هذه التقنيات تفرض علينا عزلة نختارها بأنفسنا ولكن ارى بأنها أضحت مقدمة على كل شي فأول ما يتبادر لذهن من يصحو من نومه هو مطالعة جواله والتجول بين التطبيقات المختلفة ، ويزداد الأمر سوءا أثناء وجود كبار السن مما يؤدي لتجاهلهم وعدم الاكتراث بوجودهم والإنشغال عنهم بهذه التطبيقات .
نحن بحاجة لإعادة النظر فيما يخص باقات النت للتقليل من هذا العبث .