في اليوم السادس من شهر شوال عام 1426 استدعاني أخي الأكبر -يرحمه الله- فضيلة الشيخ حسين بن أحمد باسندوة مساعد رئيس محاكم محافظة القنفذة سابقا، بعد صلاة العصر في مسجد بافرج بحي الناعميه في مدينة القنفذة قبل وفاته بشهرين، وكان إماما للمسجد، اقتربت منه وهو يتكي في محراب المسجد، وقال لي أنه تلقى دعوة من الشيخ عبد الرحيم بن محمد بن أحمد المتحمي لتناول طعام العشاء في حلي بمناسبة زواج أحد أبنائهم من أسرة المتاحمة، فهل تستطيع مرافقتي إذا لم يكن لديك ارتباطات ومواعيد مهمة؟ فأجبته سمعًا وطاعةً أرافقك، كان إخواني الشيخ حسين والأخ عبود -يرحمهم الله- في مقام والدي يرحمهم الله جميعا، ولم أعصي لهم أمرا طيلة حياتهم، قال لي كن جاهزًا وصلي العشاء معي في المسجد، كي نذهب عقب الصلاة مباشرة، فأجبته حاضر..
توجهنا إلى حلي ووصلنا مقر حفل الزواج، وكان في استقبالنا الشيخ عبد الرحيم المتحمي -يرحمه الله-، ورافق أخي ممسكًا بيده بعد نزولنا من السيارة إلى الكرسي الذي تم اختياره لأخي حسين، وجلست بجانبه وسط ترحيب وحفاوة الشيخ عبدالرحيم المتحمي.
بعد تناول طعام العشاء قال لي أخي حسين ياسعيد أحضر اثنين كراتين فارغة من كراتين الماء الملقاة وضع بها عدد اثنين صحون مما تبقى بهما من الرز واللحم وضعهما في سيارتنا الجمس من أجل الذهاب بها إلى عمال في مزرعة ابنه محمد عايش باسندوة في موقع شرق مدينة القنفذة يسمى وادي هارون، والمزرعه تسمى حديده نسبة إلى البائع مبارك بن حديد -يرحمه الله-.
فأصابتني الحيرة والارتباك من تنفيذ طلبه لأني لا أستطيع رفض طلب له، ورأيت في تنفيذه أمر مخجل أمام شيوخ القبائل والمعازيم، فهمست في أذنه (أننا في حلي ولسنا في القنفذة، وإنني أستحي أن أقوم بذلك، لأن من يشاهد ذلك لن يعلم أننا سنذهب به لعمال المزرعة، وربما يعتقدون أننا سنذهب به إلى بيتنا)، قال لي أخي حسين اجلس، كان الشيخ عبدالرحيم المتحمي صاحب الدعوة ليس بعيدًا عن موقعنا،
فناداه أخي حسين بصوته الجهوري (ياشيخ عبد الرحيم) فالتفت وأقبل إلينا بابتسامته المعهودة، مرحبا هلا ياشيخ حسين؛ فأخبره أخي بما طلب مني فعله وجوابي له وأردف قائلا: (الأخ سعيد مستحي)، ابتسم الشيخ عبد الرحيم وقال له: "أبشر"، وأخذ الشيخ عبد الرحيم المتحمي بيدي وقال لي: "يا بني نحن أهل والشيخ حسين والد الجميع، والمحل محلكم، وهذه نعمه وهذا العمل ستر وحفظ لها بدلًا أن تُكب في النفايات -جزى الله الشيخ حسين خير الجزاء-) فقام بنفسه الشيخ عبد الرحيم وقمت معه ووضعنا الطعام في اثنين من كراتين الماء الفارغة ووضعناها في سيارتي..بعد أن شجعني على ذلك.
كان هذا درسا عمليًا تربويًا على جوانب كثيرة من الدروس التي تعلمتها من كبار السن وحكمتهم وتواضعهم -يرحمهم الله جميعا-، تذكرت هذا الموقف وهذا الدرس اليوم الأربعاء الموافق 1444/11/18 هـ - 2023/6/7 م ، يوم وفاة الشيخ عبدالرحيم بن محمد بن أحمد المتحمي رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمحافظة القنفذة سابقا -يرحمه الله-، وأسكنه فسيح جناته وأحسن الله عزاء جميع أبنائه وأسرته ومحبيه، وعظم الله أجرهم وألهمهم الصبر والاحتساب.. إنا لله وإنا إليه راجعون..