ذكر الله عز وجل في كتابه الكريم بعضاً من الصفات السيئة التي يتصف بها البشر، ولعل من بينها صفة المنع وتعني شدة البخل، فيقال رجل منوع أي شديد البخل، قال تعالى: }إذا مسّه الشر جزوعا * وإذا مسّه الخير منوعا{.
وللبخيل في حياته العديد من الحيل والأساليب التي يتبعها؛ للتهرب من القيام بدوره كعضو فاعل في المجتمع، فهو يتعمد المراوغة والمماطلة والكذب والخداع، وكل ما من شأنه أن يبقيه مستفيداً في كل الأوقات، ومستغلاً لكل الفرص، لكن الملاحظة التي أود البوح بها والحديث عنها في هذا المقال، هي مسألة أن يكون البخيل من أهل الحظوة في الدنيا، كأن يكون رجل أعمال أو مسؤول أو ذا وجاهة، أو غيرها من المراتب التي يفترض أن يكون أصحابها في قمة السمو، فهنا تستغرب أشد الاستغراب من التصرفات التي يبديها أولئك البخلاء، والصورة التي يظهرون عليها أمام الناس؛ بسبب امتناعهم عن المشاركة ولو بالدعم المعنوي أو حتى الاعتذار اللبق، بل إن من المضحك وهذا أمر قد لاحظته على كثير ممن تعاملت معهم، هو أنهم لا يتورعون عن رغبتهم في الحصول على كل شيء بشكل مجاني، مع أن أرصدتهم تغص بها البنوك، وأموالهم يستطيعون من خلالها نشر السعادة بين ملايين البشر، ولكنه البخل كفانا الله وإياكم شرّه!
وهنا تبدو أزمة الفكر طاغيةً بشكل كبير بين أولئك البشر، رغم وصول الكثير منهم لأعلى مستويات التعليم، وحصولهم على الكثير من التجارب العالمية والمحلية، التي يفترض أن يكون أثرها إيجابياً عليهم وليس العكس، ففي تلك الحالة يتساوى صاحب الأموال المتعلم مع الجاهل المتخلف؛ بسبب صفة البخل المشتركة بينهما.
وبحكم تعاملي مع الكثير من رجال الأعمال وكبار القادة في القطاعين العام والخاص، فقد كنت أعتقد أن الأمر في ظاهره مبرر، لكنني مع تكرار ملاحظتي لتلك الحالات بدأت أتيقن يوماً بعد يوم بأن ذلك السلوك هو سلوك معتاد بين تلك الفئة الأنانية، التي لا يهمها إلا مصالحها فقط، فهم قد يتواصلون معك ويبادلونك التهاني، بل ويشيدون بك في مواضع كثيرة، ولكن عندما تبدأ عملية المفاوضات المالية أوالرغبة في المساهمة الاجتماعية، تبدأ معها عملية التنصل وعدم الرد والتطفيش غير المباشر، لأن ذلك باختصار سيكلفهم مبلغاً من جيوبهم وإن كان مبلغاً قليلاً، أو سيقلل من قيمتهم ومكانتهم عندما يقومون بدورهم الاجتماعي، بل إنهم كما ذكرت لا يتورعون عن طلب الخدمات بشكل مجاني، وقد حدث ذلك معي مراراً وتكراراً، وعندها قررت عدم العودة لمفاوضتهم مجدداً، والاكتفاء بالعلاقة الرسمية مع الحرص على عدم استمرارها معهم.
وختاماً أود توجيه السؤال لأولئك الصنف من البشر: هل تعلمون أنكم تحملون صفاتاً ذميمة نُهي عنها في الكتاب والسنة، وحذّر منها العلماء والحكماء، هل تعلمون أنكم في غاية الحقارة والدناءة وضعف النفس؟