القنفدة، تاريخ وحضارة، عبر العصور، هذا ما سيكون في مساء من مساءات غادتنا الجميلة، في ليلة استثنائية، كيف لا والمؤتمر يحظى بموافقة كريمة من لدن مقام سيدي خادم الحرمين الشريفين، وهذا يمثل نقطة تحول في المستقبل المشرق لبلادنا الغالية وغادة الساحل الغربي الحبيبة، لعلي أستعيد زمنًا بعيدًا، حينما كان جدي يرحمه الله شيخ النجارين وكبير المعلمين، وهم من اختصوا بصناعة الأبواب والشبابيك (النوافذ) والسرر، وكل أعمال النجارة وصناعة السفن الشراعية والقوارب، التي كانت تعبر عباب البحر في رحلات تأتي بالصيد الثمين.
أما السواعي "السفن الكبيرة" والتي تعتبر شاهدًا على ذلك العصر، حينما كان الميناء في القنفدة يستقبل تلك السفن محملة بالبضائع المختلفة من مواد غذائية وملابس وأدوات وغيرها، والتي كانت القنفدة تمد بها كلًت من الباحة وعسير وكثيرًت من المناطق والمحافظات.
وكم كان يحدثني والدي -رحمه الله-، والذي بلغ من العمر مئة عام، ونيفًا عن الميناء الذي كان يعج بالسفن والبضائع وما يحتاجه الناس والمحناط والمستودعات القديمة وما كان في القنفدة من حركة تجارية كبيرة، ومن كانوا يصيغون الذهب والفضة وتلك القصور الشامخة بطراز حجازي رائع وجلسات العمد، كل عمدة له مركازه ومجلسه، وتلك الألعاب الشعبية الجميلة، من المزمار والبحري والطبل والعجل والسمسمية والمجسات والعرضة وأغنيات السمر وأهازيج البحارة الجميلة والكسرات الشعبية وفنون الطرق والعسيري وغيرها التي كان يشهدها مقهى المغربي الذي يشبه مقهى الفيشاوي، حيث يحضر في مقهى المغربي الشعراء والأدباء والمثقفون ويسهرون ويقضون ليالي ماتعة فيه.
وكم كان يجلس بجوار الطاحونة ذلك المبنى الأسطواني الجميل، والمعلم الأثري الأصيل كثير من رواة الأدب والتاريخ ونواخيذ البحر، وهم يتسامرون ويتحدثون عن كل فن وتراث وموروث وحضارة وتاريخ جميل للبندر غادة الساحل الغربي القنفدة.
وكم كان يزهو سوق القنفدة القديم بكل ما يحلو للمشتري ويعجب الزائر، خلية نحل في ذلك السوق، وهو يشكل تاريخًا عظيمًا بمبانيه الأثرية الأصيلة، وبنفوس من يعملون به، حيث الحب والألفة والود وتبادل البضائع والابتسامات على محيا كل واحد منهم.
عشم وحباشة والقصور القديمة والطاحونة ووداي قنونى (قنونا) والميناء وحنيش والقنع وأم القماري والجزر الفاتنة الخلابة والأودية الجذابة والمساحات الخضراء في ربيعها الجميل، وشموخ جبالها وجمال شواطئها ووديانها وسهولها، وأصوات البحارة، وأهازيجهم، والعادات الحجازية الجميلة، والفنون الرائعة الماتعة، والمخازن القديمة التي بنيت من حجارة البحر والرواشين والأبواب والطراز المعماري المذهل والدهاليز والمربعات، وحدث ولا حرج عن تلك المسامرات ورقصة المزمار والطرب (وأشوان البن واللوز) كانت أهم ما يميز القنفدة، ويجعلها ذات حضارة وتاريخ يستحق منا الوقوف عليه وتعريف الأجيال به.
وجاء الموعد وأقبلت ليلة ستكون بمشيئة الله من أجمل ليالي غادة الساحل الغربي. شكرًا لكل الأوفياء الذين كانوا خلف هذا الملتقى حتى يخرج للنور. شكرًا لتاريخ وحضارة القنفدة عبر العصور. شكرًت للجميع في غادة الجميع. ومرحبًا وأهلًا وسهلًا عدد ما تصدح الطيور.
_______________
*أديب وروائي وقاص وشاعر