كم شخصاً ظن به ظن سوء في غير محله، نسج خيوطه شخص تشرب قلبه بالحقد والحسد، جليسه ومستشاره الشيطان، منزوع القيم الفاضلة، ممتليء بالشرور وأبواب الآثام، كل همه تفكيك أواصر المحبة والألفة بين أفراد المجتمع.
هذا الصنف من البشر يستمتع بأذية البشر، ويرى تحقيق مراده المشين نجاحاً.
إنه واهم المسكين، فقد زل به لسانه فهوى في وادٍ سحيق، بئس المكان، وإن كان له أهل.
قيل إن رسّاماً عجوزاً كان يعيش في قرية صغيرة وكان يرسم لوحات غاية في الجمال ويبيعها بسعر جيد، وفي يوم من الأيام أتاه فقير من أهل القرية وقال له: " أنت تكسب مالًا كثيرًا من أعمالك، فلماذا لا تساعد الفقراء في القرية ؟!، انظر لجزار القرية الذي لا يملك مالًا كثيرًا ومع ذلك يوزّع كل يوم قطعًا من اللحم المجّانية على الفقراء، وانظر إلى خبّاز القرية برغم أنه رجل فقير ذو عيال إلا أنه يعطي الفقراء خبزاً مجانياً كل يوم.
لم يردّ عليه الرسام وابتسم بهدوء، وأسرها في نفسه ولم يبدِ له شيئاً، وخرج الفقير منزعجاً من عند الرسّام وأشاع في القرية بأنّ الرسام ثريٌ جداً يكتنز الأموال ولكنّه بخيلٌ جداً، ولا يساعد الفقراء؛ فنقم عليه أهل القرية وقاطعوه وهجروه.
بعد مدّة من الزمن مرض الرسّام العجوز ولم يعره أحدٌ من أبناء القرية اهتمامًا ثم مات وحيدًا، ومرّت الأيّام ولاحظ أهل القرية بأنّ الجزار لم يعد يرسل للفقراء لحمًا مجّانيًا، وكذلك الخباز الشهم صار لا يمنح الفقراء خبزاً مجانياً، برغم رجاؤهم لهما، وعندما سألوهما عن سبب توقّفهما، قالا: "الرسّام العجوز الذي كان يعطينا كل شهر مبلغاً من المال لنعطي الفقراء اللحم والخبز فلما مات توقّف ذلك بسبب موته".
قد يسيء بعض الناس بك ظن السوء وقد يظنّك آخرون أطهر من ماء الغمام فلن ينفعك هؤلاء، ولن يضرك أولئك، فلا تحاول تغيير حقيقتك، وترفع عن كل مايدنس قيمك وأخلاقك، وتجنب الظن السوء بالناس امتثالاً لله تعالى.
قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ