في خضم هذه الظلمات التي بعضها فوق بعض وظل هذا السواد الحالك الذي يتلمس الناس من بين جنباته وعبر أروقته بزوغ نور وبصيص أمل يطل علينا شهر كريم شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، شهر تُفتح فيه أبواب الجنة وتُغلق فيه أبواب النار وتُصفد فيه الشياطين، شهر التضرع واللجوء إلى الله شهر الصيام والقيام شهر القرآن وقال عز وجل: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185].
شهر الصدقة ولو عن طريق تطبيقات وحسابات الجمعيات الخيرية المصرحة، شهر التنافس في الأعمال الصالحة والتسابق في الخيرات، شهر صلة الأرحام ولو بالاتصال والرسائل والسؤال عن أحوالهم، شهر الكف عن أعراض الناس والغيبة والنميمة فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن لم يَدَعْ قول الزُّور والعملَ به والجهلَ، فليس للهِ حاجةٌ أن يَدَعَ طعامه وشرابه))؛ رواه البخاري.
شهر تفطير الصائمين ولو عن طريق الجمعيات الخيرية أو تعاهد القريبين منا كالخدم والسائقين والجيران ففي كل ذات كبد رطبة أجر وعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا) رواه الترمذي.
شهر مضاعفة الحسنات، شهر جعل الله أجره مجهول لا يعلمه إلا هو كما ورد في الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به.... الحديث) رواه البخاري ومسلم، وورود الاستثناء هنا في سياق مضاعفة الحسنات دلالة على أن أجر صيام رمضان يفوق جميع الأعمال الباقية.
شهر أيامه ولياليه معدودة كما قال تعالى : (أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر... الآية) (البقرة:184)، ومع ذلك فهي خير ايام الدنيا ولياليها فمن حُرم خيرها فقد حُرم كما في الحديث صعِد النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المنبرَ ، فقال : آمين ، آمين ، آمين ، فلمَّا نزل سُئل عن ذلك ، فقال : أتاني جبريلُ ، فقال : رغِم أنفُ امرئٍ أدرك رمضانَ فلم يُغفرْ له ، قُلْ : آمين ، فقلتُ : آمين.. الحديث).
لا يحتاج الإنسان فيه إلا تصحيح النية، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.
وَمَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) متفق عليه.
ثم التشمير والانطلاق في ميادين الخير ومنافسة الصالحين للفوز بعظيم الأجر.
ثم هو شهر الدعاء المستجاب فمع كل إفطار صائم له دعوة مستجابة ففي الحديث : (ثَلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ.. -ومنهم- الصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ) رواه الترمذي.
وفي كل ليلة ينزل الله سبحانه وتعالى في الثلث الأخير من الليل نزولا يليق بجلاله وعظمته، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له) .
فلنجتهد بالدعاء وصدق التضرع لله في مثل هذه الأيام وهذه الأوقات الفاضلة ليفرج عنا ما نحن فيه.
فاللهم بلغنا وجميع المسلمين رمضان ونحن في أحسن حال لا فاقدين ولا مفقودين ياسميع الدعاء وقد ازلت هذه الغمة عن الأمة إنك سميع مجيب
ولأن قدم علينا رمضان وأبواب المساجد مؤصدة فأبواب الله مفتوحة بالليل والنهار لا تغلق وأبواب الجنة مفتوحة فالبدار البدار لاستغلال كل دقيقة في هذا الشهر في طاعة الله ومرضاته حتى نكون في نهايته بإذن الله من الفائزين