سأعلمُ أولادي إن اختاروا أن يكونوا مع الحقِ، أن يتأكدوا أن ما ختاروا الوقوف معه والنضال دونه هو الحق حقًا، وأن يتحلوا هم به أولًا ويعتنقوه ويطبقوه قبل أن يدعوا غيرهم إليه، وأن يؤمنوا بخصوصية كل فرد وحريته الشخصية، وأنهم لم تنتخبهم السماء جنودًا للحق، وأن التعايش السلمي واحترام معتقدات الآخرين وأفكارهم وما يؤمنوا به وما يقدسوه ويعتنقوه -أيًا كان ومهما كان- وعدم التعرض له بسوء أو السخرية منه، هو عين الدين وقمة الرقي الإنساني، وأن دوري في الدفاع عن الحق ضد الباطل يبدأ عندما يصرُ الباطلُ على اقتحام دائرتي والتقاطع مع حياتي، وأن العنف والتطرف والإصرار على الرأي، وعدم التحلي بمهارة الحوار، ومرونة التراجع إن ثبت لهم خطأ فكرة ما عندهم، وعظمة الاعتراف بالخطأ، وقدسية الاعتذار، واحتقار الآخر، ورفضه بالكلية وكراهيته والرغبة العمياء في الانتقام منه والانتصار عليه، وإغلاق كل طرق العودة والتراجع أمامه ليعود للحق -متى شاء- أن كل ما سبق هو ما سيقذفهم بعيدًا عن الحق وسيصبحوا هم -ودون أن يشعروا- أسلحةً فتاكةً في يد الباطل الشوهاء!
سأعلمهم أن يكرهوا الباطل والسلوك الذي يُعبرُ عنه عند الشخص الذي يقوم به لا الشخص نفسه، وأن الهدف هو القضاء على الباطل في الشخص، لا القضاء على الشخص نفسه، وأن الحب والتفهم والإحسان والصبر والستر والهدوء والإكرام والمدح والشكر والإشادة والثناء والاحتواء والقبول والتماس العذر وإحسان الظن والاحتضان، هي الأسلحة الحقيقية التي تقضي على الباطل وترديه صريعًا وتمزقه أشلاءً، وأن الشخص متى ما عاد لجادة الصواب، عاد له حبنا وتقديرنا كاملًا، وأن نسعى لنقل صاحب الباطل لمنطقة الحق فيزداد العدد به، ولا يكون همنا أن نقضي عليه في منطقة الباطل.
وأن يعلموا أنه لا يكفي أن يكونوا مع الحق فقط، بل مع الله سبحانه وتعالى، فمن ينصرِ اللهَ ينصره ومن يتوكل عليه فهو حسبه، وأن يتيقنوا أن الباطل أقوى وأشرس وأدهى وأكثر أنصارًا وأتباعًا وعددًا وعدةً، وأشد بأسًا وقوةً من الحق المجرد، وأن الباطل في هذه الحياة هو الذي سيبقى وسينتصر في نهاية المطاف "تقوم الساعة على شرار الناس"، وأن دورهم ليس القضاء على الباطل، بل في البقاء مع الحق والثبات عليه مهما استلزم الأمر، ومهما كلفهم ذلك، فالله سيسألهم عن موقفهم وليس عن نتائج هذا الموقف!