حتى ولو كنت كما قال الشاعر :
لها حكم ُلقمـانَ وصـورةُ يوسـفٍ ** ونغـمـةُ داودٍ وعـفةُ مـريـمِ ..!!
وحتى ولو كنتَ أنتَ كما قال الشاعر :
إقدامُ عَمْرٍو في سَماحةِ حَاتِم ** في حِلمِ أحنَفَ في ذَكاءِ إِيَاسِ ..
فطالما أن الحياة فيها اختلاف وتباين وأهواء , وتعج بالحاسدين الحاقدين المتعالين المختلين ، وأن العرض -حتى وإن كان أكثر من الطلب - فإن طمع الإنسان وعدم رضاه بما هو عليه ورغبته في الذي في يد غيره ، سيجعله أقل – وبكثير – من الطلب ..!!
كل هذا سَيُنتِج – وبلا شك – صراعاً , وسيجعل الإنسان – شاء أم أبى – يجد نفسه في جبهة قتال أو جبهات مختلفة نوعاً وأفراداً وشدةً وأسباباً ..!!
بالنسبة لي – ويعلم الله أنه ليس جبناً – لاأحبُ فتح جبهة مهما كان السبب , ودائماً أتحاشى ذلك ألأمر بكل طاقتي , وذلك لسببين اثنين :
1 - دائماً أتمثلُ قول الشاعر :
لو كل كلب عوى ألقمته حجراً ** لأصبح الصخر مثقالاً بدينارِ ..!!
وقول الشاعر :
ولو لم تكن نفسـي علـي عزيـزة ** لمكنتها مـن كـل نـذل تحاربـه ..!!
2 - أني مؤمن أن العاقل لايحرص على فتح جبهة لأي سبب كان , وحتى وإن فُتِحَتْ جبهةٌ , فإنه يحرص على إغلاقها بأي ثمن كان , حتى ولو اضطر للتنازل المقبول والغير مُهين ..!!
فالعاقل لايكسب عداوة أي أحد مهما كان ضعيفاً وصغيراً , فهو لايعلم أي ضرر قد يلحق به جراء ذلك ..
لا تَحقِرَنَّ صَغيراً في مُخاصَمَةٍ ** إنَّ البَعوضَةَ تُدمي مُقلةَ الأسدِ ..!!
لا تَحقِرَنَّ مِن الضعيفِ عَداوَةً ** فالنارُ يَحرِقُ جَمرُها وشرارُها ..!!
ولكن إن وجدت نفسي مُجبراً مُكرهاً على التواجد في جبهة ما , وكان لامناص من القتال فيها , قاتلت بكل شرسة ضراوة , ويكون شعاري – ولست نبياً - كما قال صلى الله عليه وسلم : ( إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل ) ..!!
وللتفصيل في الموضوع أكثر , سأقوم بتقسيم الجبهات تقسيماً شخصياً فأقول :
الجبهات قسمان :
••الأول : جبهات بالأصالة :
وهي الجبهة التي يفتحها المرء أو تُفتَحُ عليه , ويكون لها شرطان أساسيان :
1 - أن يكون سبب الجبهة يخصه هو بشكل مباشر أو غير مباشر ..
2 - أن يكون هو المقاتل فيها بنفسه ..
وهذا القسم من الجبهات – وكما قلت سابقاً – يحاول العاقل أن لايفتحها بكل طاقته , وحتى وإن فُتِحَتْ , فيحاول – جاهداً -إغلاقها باي ثمن كان ، وإن وجد نفسه مضطراً لخوضها ، خاضها بكل قوة وشجاعة وفروسية ونبل أخلاق حتى تنتهي ، فإذا انتهت توقف وأصلح قدر استطاعته ..!!
وإن حدث أن تدخل أحدٌ للإصلاح أن يقبل ذلك التدخل ويعينه ، وإن لمس في المعسكر المقابل ركوناً للسلمِ ركن له ..!!
••أما القسم الثاني - وهذا هو أخطر قسم على الاطلاق - هو :
الجبهات بالوكالة ..!!
وهي التي تفتقر إلى أحد شرطي الجبهات بالأصالة ..
وهي على ثلاثة أنواع :
1- جبهة يفتحها المرء ، ولايكون هو المقاتل فيها ..!!، ومثال ذلك :
أب يفتح جبهةً في مكان ما ، ويكون زوجته أوأولاده هم الباقون في هذا المكان ، فيجد هؤلاء أنفسهم يقاتلون في جبهة بالوكالة ، وقد يكونوا أضعف من ذلك ، وقد يكون المعسكر المقابل متكتلاً ضدهم ، متفانياً في إيذائهم والإساءة إليهم ، ويصبحوا في مرمى النار وعرضة للحساب على أتفه الأسباب ..!! ، والأب صاحب الجبهة الأصلي بعيدٌ عن كل ذلك ..!!
ووالله إني وإذا ماوجدت نفسي في جبهة مثل هذه الجبهة ، فإني أرفع رايتي البيضاء وأداري وأداهن وأحاول بأي طريقة كانت علاج الأمر ، حتى ولو كنت أملك من القوة مايجعلني أسحق من أمامي بقدمي ، كل هذا من أجل أن لا أفتح لأحبابي جبهةً بالوكالة ..!!
2- أن لايكون الأمر يخصه بشكل مباشر بل فتح جبهة بالوكالة عن فلان أو فلانة ، انتصاراً وتحيزاً له ، فيقاتل من يقاتلهم ، ثم قد يحدث أن يصطلح من فتح جبهة نيابة عنه مع خصومه ، ويظل هو في معاركه الحمقاء ..!!
أنا لاأقول أن نتخلى عمن يحتاج إلينا وأن لاننصر المظلوم ، ولكن أن نكون حذرين متريثين جداً في فتح مثل هذا النوع من الجبهات ..!!
وأن نؤمن خط الرجعة لنا في حال اصطلح الطرف الأول مع خصومه ..
3- أن يستخدمنا خبيثٌ ما لنقاتل نيابة عنه ، فيوغر صدورنا على شخص ما ، ولم يفعل لنا هذا الشخص شيئاً ، لكن هذا الجبان يكرهه ولايقدر على قتاله ، فيحولنا نحن إلى أسلحة بلهاء له ، وقد يكون هو - وفي نفس الوقت - على علاقة جيدة جداً بمن دفعنا لقتاله ..!!
خلاصة الأمر :
لن يسلم المرء من الجبهات مهما حرص ، ولكن من جعل العقل حصانه والحكمة سيفه ، لن يخسر في جبهة مهما كانت ..!!
____________________
* مستشار أسري وتربوي ومدرب دولي مُحترف ومعد ومقدم برامج