نطق الشعر وأبدع الشعراء في وصف جوده وكرمه ومروءته، وأتعب من جاء بعده في القيام بتلك المهمات التي أشار إليها الشعراء, ومقولة "أتعب من جاء بعده" مثل عربي أصيل في صعوبة أن يأتي الخلف بما حققه السلف. نعم هكذا كان الشيخ محمد بن جريد -رحمه الله- فقد عرفته مليئًا بالحيوية والعمل بحماسة، وصدق التفاني في الإنجاز.
تقاعد من عمله برصيد مشرف من النزاهة وحسن الخلق، وترك انطباعًا إيجابيا في خدمة الوطن في كل عمل أوكل إليه، ثم اتجه إلى العمل الخاص، واتضحت معها ملامح شخصيته التي كانت نيتجة تراكم وخبرات في العمل الحكومي، ثم العمل الخاص، إضافة إلى تفاعله وتماهيه مع رصيد كبير من التعامل الإنساني على مستوى المجتمع، فهو اجتماعي محب للخير ومساعدة الآخرين، طيب المعشر، لين الجانب.
إن تجارب محمد بن عبدالرحمن -رحمه الله- المتنوعة والمتعمقة اجتماعيًا جعلته قدوة حسنة للأجيال، حيث إنني شاهدته في مواقع الجد والاجتهاد، ولم أشاهده في مواقع الهزل والهزال، وكثيرًا ما وجدته في مشاهد البناء والتشييد، ولم أجده في مشاهد الهدم والتقصير مع الآخرين في الحقوق والواجبات.
إن شخصية محمد بن جريد -رحمه الله- نموذج متفرد للإنسان الناجح دينًا ودنيا ونحسبه كذلك، فبعد أدائه واجباته الدينية التي اتصفت بوسطية الإسلام والاعتدال في التدين، ينطلق لأداء رسالته الإنسانية في العمل من أجل رفع المعاناة عن الآخرين من خلال العمل الخاص، فكانت بدايته البسيطة المتواضعة في العمل الخاص، والرضا بما قسمه الله له بركة في الرزق، ودافعًا له للبحث عن أوجه الخير والتي محصلتها انعكاس إيجابي لمكونات شخصيته الإيجابية قلبًا وقالبًا.
إن محمد بن جريد -رحمه الله- حقق نجاحات ملموسة، وأصبح مثالًا يحتذى به للعمل الجاد، وحسن الظن بالله، والتوكل عليه دون كلل أو ملل، وهو تأكيد وترسيخ لمفاهيم الاعتماد على النفس، والبداية من الصفر/ والتراكم والبناء في صعود سلالم النجاح والمجد.
إنها سلسلة من التجارب ومن النجاح المتراكم، التي استفاد منها الشيخ محمد بن جريد -رحمه الله-، ثم قام بتوظيفها بشكل إيجابي في إقالة العثرات ومد يد العون والمساعدة والمساندة للآخرين، بوعي وحكمة وحنكة وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.