عبارة جميلة في لفظها عميقة في معناها مكتملة في مبناها اللغوي والمعنوي، استوقفتني كثيرًا هذه العبارة وأخذت أفكر فيها وحولها و منها وإليها، فوجدتها تحمل الكثير والكثير.
أعزائي القراء، هذهِ العبارة وردت ضمن سياق الكلمة التي ألقاها صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة حفظه الله ورعاه في ورشة العمل التي أقامتها أمانة مدينة جدة مؤخرًا بعنوان (هوية جدة المعمارية والحضارية) ونحن في الواقع تعودنا من سموه الكريم مثل هذه العبارات أو الكلمات الموجزة والمختصرة في جملتها ولكنها تحمل الكثير من المعاني، كيف لا وهو أمير الحرف والبيان.
وهنا سمحت لنفسي المتواضعه أن أجول في فكر أميرنا -حفظه الله ورعاه-، ثم استدركت وأوجست في نفسي خيفة وسألت نفسي سؤالا ومن أكون أنا حتى أخوض غمار الغوص في أعماق فكر هذا الرجل الملهم فأنا لست إلا نقطة في بحر هذا الكيان؟؟!! ولكني بعد تفكير طويل عزمت على خوض هذا الغمار لعلي أصيب في تفسير بعضاً من تفكير هذا البحر المتلاطم فكراً وثقافة ومعرفة، حيث استخلصت من هذهِ العبارة التي أطلقها سموه الكريم (أتمنى أن تبقى جده عروسا ولكن بلا عريس وأترك هذه المهمة لمعالي أمين جدة) ثلاث رسائل موجهة : -
الرسالة الأولى :- وهي ( أرجو أن تبقى جده كما هي عروس ) فهذه رسالة عامة موجهة إلى كل من يرتاد جدة ويزورها فهي أمنية نابعة من أهمية جدة التاريخية والحضارية والاقتصادية فهي بوابة الحرمين الشريفين وملتقى حضاري وثقافي واقتصادي، فبقائها عروسا يزيد من رونقها وجمالها وبهائها، وهذا ما يجب أن تكون عليه جده لتبقى على طبيعتها وعذريتها على مر العصور.
الرسالة الثانية : - وهي ( ولكن بلا عريس ) وهذه الرسالة خاصة موجهة إلى أهالي جدة وسكانها ويامن يتغنون بحب جده وعشقها، وكما يقال ومن الحب ماقتل فنحن يامن يعشقون جده ساهمنا بشكلٍ أو بآخر في تشويه العروس بسبب حبنا الجنوني و اللاوعي الذي جعلنا لا نكترث لما يصيبها من الألم والوجع والتشويه وذلك بسبب إهمالنا لها ولمقدراتها الجمالية والحسية، والأمثلة على هذا الإهمال كثيرة جدًا ولا أبالغ إذا قلت أننا لا يمكن لنا أن نحصيها، وسأضرب مثالاً واحداً فقط لهذا التشوه والإهمال واللا مبالاة مثالاً يوضح لنا جميعاً نحن عرسان وفرسان جدة مدى جرمنا في حق معشوقتنا.
ألا ترون أعزائي عشاق جده كمية المياه التي تنساب من بيوتنا يومياً إلى شوارع المعشوقة لتشوه واجهة العروس وتكون المستنقعات وتساهم في وجود الحفريات ثم نشكو منها ونطالب الأمانة بالإسراع في التخلص منها ونتهمها بالإهمال والتقصير (مالكم كيف تحكمون) فنحن لنا دوراً كبيراً في وجود هذهِ التشوهات وتعودنا دائماً أن نلوم ولا نلام.
الرسالة الثالثة : - وهي (وأنا أترك هذهِ المهمة لمعالي أمين جدة) وهذه رسالة خاصة موجهة لمعالي الأمين الأستاذ صالح التركي، وهذا ما تعودنا دائما من سموه الكريم أن يحمل كل مسؤول الأمانه التي وكل بها ليقوم بواجبه كما أرادها له المولى عز وجل وكما أرادته قيادتنا الرشيدة التي أوكلت له هذه المهمة.
ونحن نجزم إن شاء الله تعالى أن معالي الأمين قادراً بعون الله وتوفيقه ثم بوقوفنا نحن أهالي جدة بجواره بكل عزم وحزم لتحقيق تلك الأمنية وهي أمنية لكل إنسان غيور على جدة أن تبقى عروسًا كما هي لا تدنسها أيدينا بالعبث والخراب والإنتهاك لحرمتها لتبقى معشوقتنا منبرا لحضارتنا و تقدمنا ورقينا ولتصبح جده لؤلؤة البحر الأحمر وعروس المدن العربية.
أرجو أن أكون قد وفقت في تحليل هذهِ العباره بعد أن أبحرت في فكر فارس البيان وسيد الحرف وأمير عاصمة سيدة البلدان ومهبط الوحي والقرآن.