عما قريب ستطوي استراحة المحارب آخر صفحاتها. ستنتهي رحلة الاستجمام، ويعود كل فارسٍ ليمتطي صهوة جواده ويمسك اللجام. ستُدقُّ طبولُ المعركة، ويبدأ التحدي مع المستحيل؛ لتحقيق الإعجاز، والوصول إلى أقصى مراتب الإنجاز. فمن هو الفارس؟ وكيف سيدير المعركة؟
رغم المحاولات المستميتة لإسقاط ذلك الفارس، والنيل منه، وإقصائه عن بطولاته وإنجازاته وانتصاراته، إلا أنه ظلَّ قائمًا، مناظلًا، متصدِّيًا لكل الطعنات والضربات. ولأنه يدرك تمامًا أن سقوطه يعني سقوط أمٌّةٍ بأكملها، واستسلامه أمام التحديات يعني انهيار القيم والمبادئ التي استمدت شموخها من شموخه، واشتقت صمودها من صموده؛ لذا كان لزامًا عليه أن يهيِّئ أسلحته ويشحذها، ويُعِدَّ جيشه جيدًا، ويحسن تدريبه لخوض المعركة، ليس بتعليمه المهارات والفنون التي تَعْبُرُ به طريق النصر فقط، بل بغرس القيم والمبادئ التي تمهد له ذلك الطريق؛ فقد زجَّ الشعب بفلذات أكباده في تلك المعركة، ولن يرضى بغير النصر.
نعم، إن الحديث عن المعلِّم، وأي سقوطٍ سيكون مدويًّا إن لم يكن سقوط المعلم؟! وأي ضياعٍ سيكون له صداه إن لم يكن ضياع الجيل الذي يبنيه المعلم؟!
إن أم المعارك التي يخوضها القادة العظام ليست أمام أعدائهم، بل أمام أنفسهم هم؛ فأي انهزاميةٍ أو انكسارٍ أو تخاذلٍ تقف وراءه النفس يعني هزيمةً ساحقة، وأي انعدامٍ للإيمان بالقدرات والإمكانات يعني أن جيشًا بأكمله سيذهب ضحيةً تحت وطأة الخسارة.
شعبٌ بأكمله يعوِّل عليك أيها القائد العظيم، ويتطلَّع إلى فنك ومهارتك مع أول دقةٍ لطبول المعركة؛ لذا فإن:
- من كانت خشية الله والخوف منه جُلَّ همه، تشبَّعَ روح الإخلاص، واستلذَّ العمل، وكُتِبَ له الظَّفَر.
- دقيقة تأخيرٍ في الانطلاق، أو استعجالٍ في المغادرة تصنع فارقًا كبيرًا في النتائج.
- الإلمام بإمكانات وقدرات جنودك تمكِّنك من وضع كلٍّ منهم في مكانه المناسب ضمن الصفوف.
- الحالات النفسية والاجتماعية لها أكبر الأثر على أداء الجندي في المعركة، فكن على اطلاعٍ بها، ورعايةٍ لها.
- التصوُّر المسبق لساحة المعركة، والتخطيط لطرق الدخول والخروج، سبيلٌ إلى حمل الأدوات المناسبة، واتخاذ التدابير المطلوبة.
- القائد المحنك لا يخلو قاموسه من عبارات التحفيز، فهو باعثٌ على الاستبسال، بعيدٌ كل البعد عمَّا يكسر شوكة جنديه، ويثنيه عن النضال.
- التوجيهات التي يتلقاها القائد ممن هم أعلى منه رتبة هي سر النجاح والانتصار، ورفضها أو عصيانها سيؤدي لا محالة إلى الهزيمة والفشل، فاحذر أن تجعل بينك وبين مسؤولك حاجزًا أو خلافًا أيًّا كانت الأسباب.
ختامًا أيها القائد الجدير، والمعلم القدير، اعْلَمٰ أن ما سقته إليك ليس مجرَّد تنظير، بل هو حديثُ مُجَرِّبٍ خبير؛ فلقد ذرعتُ الساحات، وخضتُ شتى الصولات والجولات، حتى شاب رأسي، ولان بأسي، وإني اليوم لأفخر كل الفخر، بتلك الانتصارات التي حققتها على مدى الدهر.
ولا شك أن خلف كلِّ نصرٍ مؤزر، وجيشٍ مُظفَّر، قائدٌ ملهم مؤثِّر.
المقالات > طبول المعركة
بقلم/ يوسف الشيخي

طبول المعركة
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.mnbr.news/articles/357708.html


