ردود أفعال مسؤولينا تجاه ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً أصبحت غريبة تدعو للتوقف والتفكير، وتحليل القرار، قبل تحليل المشكلة ذاتها، وأصبحنا نتساءل كثيراً عن هذه القرارات “الارتجالية” و “المتسرعة”، هل جاءت لكي يقال بأن المسؤول حريصٌ، متابع، جريء، أم أنها تؤكد بالفعل أن بعض المسؤولين لدينا تُملى عليهم قرارات دون دراسة أو تحقيق يبررها، وهم يتولّون التوقيع كيفما اتفق، أم أن المشكلة في السوادُ الأعظم من المتابعين المستائين من القرار الذين أصبحوا لا يعلمون الخطأ من الصواب.!
“سيناريو” القضية بدأ بعد مقطع فيديو لطلاب مزقوا المئات من الكتب الدراسية خارج مدرستهم في تبوك، المتابعون يتداولون المقطع على نطاق واسعٍ، كما يحدث كل يوم، وزارة التعليم تظهر على السطح فوراً، وتبدأ من آخر نقطة في الحل، وزير التعليم يصدر قراراً بإعفاء قائد المدرسة، وبعد أن يسترد معاليه أنفاسه بعد آخر “شخطة” توقيع لقرار الإعفاء، يوجه بالتحقيق، ودراسة القضية!!.
إن سلّمنا بوجوب دراسة الظاهرة، والذي جاء متأخر جداً، فإننا بالتأكيد لم ولن نكون مع التحقيق بعد إصدار القرار، وما هي الفائدة من هذا التحقيق يا معالي الوزير والوزارة “جابت راس غليص” من أول لحظة وانتهى الأمر.
تمهلت كثيراً، وفكرت ملياً قبل أن أكتب حرفاً واحداً، ولكني لم أجد تبريراً واحداً لوزارة التعليم، ليس في إصدار قرار الإعفاء فحسب، ولكني لا زلت أبحث عن أي تفسير منطقي للتحقيق بعد أن انفضّ السامر، وطاح “كبش” الفداء و “ما أحد سمّى عليه”.!.
ردة فعل وزارة التعليم لَوَتْ عُنق القضية بأكملها في وسائل التواصل والصحف وغيرها من “تمزيق الكتب” في الشارع، إلى مناقشة إعفاء القائد، وأصبح تصرف الوزارة هو القضية الراهنة، ولأول مرة يجمع المتابعون والمغردون على رأي واحد، ويتفقون على أن الوزارة بدأت من الأخير، وهنا يتبادر إلى ذهني سؤال صغير يقول: هل لازال كاهلُ وزارة التعليم يستطيع تحمّل قضايا جديدة كان من الأولى الاستغناء عنها، ولماذا الوزارة هي من تضع نفسها في مواجهة مع منسوبيها والمجتمع وهي ليست مضطرة؟.
أنا لا أدافع عن قائد المدرسة، ولا أوجد أي مبرر لطلاب لم يتعلموا الحفاظ على ما بأيديهم، ولم يتربوا على احترام أنفسهم؛ ولكنني أناقش القضية من وجهة نظر أخرى أرى منطقيتها، وسأوجز نقاشي في عدد من الأسئلة أوجهها لوزارة التعليم:
هل يوجد “تنظيم رسمي” يفرض على إدارة أي مدرسة الحفاظ على كتب الطلاب، ومحاسبة من يخطئ في حق الكتاب؟.
ـ هل النظام يحمّل قائد المدرسة مسؤولية ما يحدث في الشارع بعد خروج الطالب من المدرسة؟.
ـ هل ترى الوزارة أن إعفاء قائد مدرسة ـ قد يستحق أو لا يستحق ـ حلٌّ لقضية تتكرر كل يوم في كل مدرسة في كل عامٍ طوال أيام الاختبارات؟.
أم أننا نحتاج مصور أمام كل مدرسة يوثّق المشكلة، كما وثّقها مصور تبوك، والذي شكك عدد كبير من المتابعين بأنه “معلمٌ مخلصٌ” من ذات المدرسة؟.
المفترض على وزارة التعليم الهدوء وعدم الاستعجال في مثل هذه القضايا، فردود الأفعال غير المحسوبة أحياناً تدل دلالة واضحة على ارتباك القرار، وسوء التصرف، وعدم الإنصاف، ولو أن معالي الوزير بدأ أولاً بالتّحقّق، ثم التحقيق، ثم أصدر القرار إن كان الأمر يستحق، ثم يوجه بإيجاد حلّ جذري لمشكلة الإساءة للكتاب المدرسي التي لم تكن وليدة اللحظة، فالجميع يشاهدها ويعرفها منذ سنوات، ولم يتم التحرك باتجاه تصحيحها، إلا كردة فعلٍ جاءت باهتةً، متسرعة، غير منصفة ولا مقنعه.
تغريده: قضايانا التعليمية والتربوية تحتاج آلاف الدراسات الجادة والحلول المنطقية، وليس المزيد من القرارات و “أكباش الفداء”.