اليوم تحتضنُ الأرضُ السماء، وتُلبِّي القلوب العاشقة النداء. اليوم يعانق الزمانُ المكان، وترتدي الدُّنيا ثياب الطُّهْر، وتُيَمِمُْ وجهها شطر البيت العتيق؛ تلبيةً لصدى ذلك الأذان ﴿ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾. اليوم تلتقي الحشود، وتتلاشى كل الفوارق والحدود، وتتفرَّدُ على صفحة الخبر صورة الطائفين، والعاكفين، والرُّكَّعِ السجود. فقل لي بربِّك أيها الحديث عن أي شيءٍ أصوغك؟ عن طُهرِ المكان؟! عن قدسيَّة الزمان؟! عن الأذرع الملتفة في حنان حول ضيوف الرحمن؟! أم عن تلك الأعين التي آلَتِ السَّهر ليبقى الجميع في أمان؟! أخشى أن تَعْجَزَ البلاغة، وتَقْصُرَ الفصاحة، ويَتَلَعْثَمَ البيان؛ فلا أوفي الوصف حقه من الكمال، أو أتجاوز - عن غير قصدٍ - بعض صورِ الجمال؛ لذا سأفسح المجال للجمال ليحدِّث عن نفسه؛ فليس أعرف بالجمال من الجمال نفسه.
سأتنحى عن طريقه قليلًا فقد شَرَعَ في أداء نُسُكِه بعد أن توشَّحَ البياض وصدح بالتلبية، طاف أولًا بالبيت العتيق، ونقلتْ لنا عدسته أجمل الصور لتوسعة المسجد وبنائه، من مطافِهِ إلى مسعاهُ إلى فِنائِه؛ فكانت شاهد عيان على مصداقية ذلك المُسمَّى الذي اتخذه حكام هذه البلاد لقبًا لهم (مُسمَّى خادم الحرمين الشريفين)، ومن زاويةٍ أخرى، مضى يلتقطُ صورًا لأنفسٍ في عزمها ماضية، تخدمُ جموع الحجيج بأنفسٍ راضية، تُجسِّدُ ما جُبِلَ عليه أبناء هذا الوطن من كرم الضيافة، مُتَّسمين -دونما تكلُّف- بالرَّحابة والبشاشة واللطافة.
ثمَّ تحرَّك إلى مشعر منى وبات بها مطمئنًا آمنًا، يحدِّثُ عن المعنى الحقيقي لمفهوم الأمن والأمان، المعنى الذي لم تدركه أعظم دول العالم بعدتها وعتادها؛ لأنها رفعت لحقوق الإنسان الشعار واللواء، وظلَّت حقيقة واقعها من الصِّدق خِواء.
والآن نرى الجَمَالَ يتهيأ للوقوف بعرفات، النسك الآكَدُ من بين كل المناسك؛ فالحج عرفة، ولا أظنه سينسى في مسيرهِ أن يدوِّن ملاحظاته حول ما سيراه من حقيقةٍ أشبه ما تكون بالخيال؛ طاقاتٌ بشرية، وأساطيلُ آلية، وطرقٌ مُحْكَمَة، وخططٌ محكَّمَة، أتاحت لبقعةٍ صغيرةٍ من الأرض أن تتَّسع لآلافٍ مؤلَّفةٍ من الراجلة والركبان في ذات الآن.
وسيمضي بعدها الجمال في إتمام نسكه، ويعود من رحلته وقد ملأ حقيبة ظهره بشتى صور الجمال، وأتْخَمَ مدونتهُ بكل ما شاهدَ من أبهةٍ وجلال.
اللهم يسِّر للحجاج حجهم، واصرف عنهم كل سوء، واحفظهم وردَّهم.
المقالات > صورٌ من الجمال والجلال
بقلم/ يوسف الشيخي

صورٌ من الجمال والجلال
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.mnbr.news/articles/352073.html


