أنهى خادم الحرمين الشريفين بنجاح المحور الأول من جولته الآسيوية بالتركيز على العمق الإسلامي مع دول ماليزيا، وإندونيسيا، وبروناي، إلى جانب العلاقات الثنائية المشتركة في عدد من المجالات، وينتقل بعدها إلى المحور الاقتصادي -من أهداف تلك الجولة- مع اليابان والصين، حيث تمثّل رؤية المملكة 2030 مشروعاً للبحث والتسويق والشراكة والاستثمار، قبل أن يختتم تلك الجولة بالمحور العربي في أمنه واستقراره وتعزيز وحدته خلال قمة عمّان المرتقبة.
زيارة الملك سلمان إلى اليابان -بعد 46 عاماً من زيارة الملك فيصل التاريخية العام 1971- تحمل دلالات مهمة في مضمونها، وتوقيتها، وعمقها الاستراتيجي آسيوياً؛ فعلى مستوى المضمون سيكون الاقتصاد المحرّك الجديد لهذه العلاقة، وهذه المرة لن تكون الطاقة مجال البحث الوحيد كما كان سائداً في التعاون المشترك، وتوقيع الاتفاقيات ومذكرات التفاهم تبعاً لذلك، ولكن سيكون الاستثمار المجال الأرحب لهذه العلاقة، وتحديداً في قطاعات الصناعة والتعدين والمياه والتقنية، وفتح المجال أمام رؤوس الأموال اليابانية لدخول السوق السعودية، من خلال الفرص التي سوف تتيحها المجموعة المشتركة بين البلدين للممازجة بين رؤية المملكة 2030 وبرنامج الإصلاح الاقتصادي الياباني.
أما توقيت الزيارة مع دولة عظمى صناعياً مثل اليابان فينعش حالة الركود الاقتصادي العالمي، لاسيما أن المملكة واليابان أعضاء في مجموعة العشرين، ويحملان هواجس مشتركة نحو تحريك الاقتصاد والانفتاح على الأسواق، والخروج من أزماته، خاصة في موضوع الإغراق، وبطء النمو، وتداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلى جانب أن هذه الزيارة تأتي متزامنة مع وضوح رؤية المملكة تجاه تنويع مصادر الدخل، والبحث عن شراكات تجارية واستثمارية بامتيازات تحقق عوائد في بناء الإنسان السعودي، وتشغيل الموارد المتاحة لمستهدفات برنامج التحول الوطني على أكثر من صعيد، خاصة في جانب خصخصة الخدمات.
وإلى جانب المضمون والتوقيت لزيارة الملك لليابان؛ فإن التوجه السعودي القائم مع رؤية 2030 يؤسس لمرحلة جديدة مع آسيا الصناعية، ورسم خطوط مشتركة لنقل التجارب والخبرات والتقنيات إلى السوق السعودية، حيث تمثّل آسيا عمقاً استراتيجياً للمملكة، وتحديداً مع دول مثل الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية، وهي دول مهمة لنا في هذه المرحلة، وقيمتها تكمن في الرغبة المشتركة لهذه الدول للعمل مع المملكة، واستثمار رؤيتها في المشاركة على الأرض، وتقريب الجغرافيا من خلال الاقتصاد.
الملك سلمان في جولته الآسيوية يصنع فرصاً للتاريخ، ويمضي بثقة وعزيمة إلى تعزيز شراكات بلاده، ونقلها من مرحلة التعاون إلى التحالف الاستراتيجي، وهي مهمة ليست سهلة، ولكنها ممكنة، حيث المملكة البلد القارة الذي يمكن أن يجد فيها المستثمر فرصته، ويحقق معها فرصاً أكبر للنجاح.
الرياض



