الرحيلُ أمرٌ حُتميٌ لامناص منه ولامهربَ عنه, مهما فعلنا ومهما حاولنا, فهو سنةٌ من سُننِ الحياة, به الحياة تكتملُ دورتها ..!!
كل شيء في الحياة مآلهُ الرحيل, مهما طال مكوثه وامتدَ بقاؤه, النهار, ذاك الذي يتنفسُ ويحملُ على جناح أشعة الشمس طيوراً تُحَلِقُ وتزقزقُ مُعلنةً عن ميلادِ آمالٍ جديدةٍ, وأحلامٍ جديدةٍ وفُرَصٍ جديدة, لايلبثُ أن يرحلً عندما يبدأ الليل يُعسعس ..!!, كذاك الليل يرحلُ, والشمسُ ترحل والقمر يرحلُ .. , وحتى ملكُ الموتِ الذي يُداهم – بأمر الله – فيحملُ أرواحاً من حولنا, سيرحل ..!!
حتى أنتَ ياملك الموت يوماً ما ستموت وترحل ..!!
كل شيء سيرحل , شئنا أم أبينا , سخطنا أم رضينا , مهما كان حرصنا , مهما كان اجتهادنا , مهما بذلنا سيرحل ..!!
فلا باقٍ إلا وجه الله عز وجل ..!!
ومن رحمةِ الله بنا , أن الرحيل لا يؤلمنا ولايؤذينا , بل على العكس بعض الرحيلُ نافعُ مُبهجٌ سار , فرحيل الألم والهم والغم أمرٌ مفرح , وبعض الرحيل إنما هو – وفي حقيقته – ميلادٌ جديد , فالليل عندما يرحلُ فإنما هو يعلن عن ميلادِ فجرٍ جديد ..!!
ما يؤلمنا – حقاً – ويرهقنا ويحزننا هو الفراق ..!!
فراق من نُحب ومانُحب , وهو ما نحتاجِ إلى فترة من الزمن لكي تتأقلم معه , لكي نعتاد عليه , لكي نلملم أشتاتنا بعده , ومن رحمة الله بنا – أيضاً – أننا لانلبث أن نستبدل أمراً أعظم وأبقى وأحب إلى قلوبنا , وهي أرواحهم , بأجسادهم الفانية التي رحلت عنا , أرواحهم التي لاتنفكُ تحلق حولنا , تلك التي تداعب ذاكرتنا بهمسات وكلمات وذكريات من وما نُحب .., ونعتادُ – ومع الوقت – أن نستبدل الدعاء لهم والترحم عليهم , بتلك التحايا التي كنا نتبادلها معهم ..!!
فنكتشفُ – ومع الوقت أيضاً – أنهم – على الحقيقة – لم يرحلوا عنا ..!!
وحتى وإن آلمنا فراقهم في البداية وأرهقنا , كما تألم منه الرسول - صلى الله عليه وسلم -عندما مات ابنه إبراهيم , فقال : إنا لفراقك لمحزنون , ولم يقل إنا لرحيلك لمحزنون ..!!
همسة :
أرواحُ من نُحبُ باقيةٌ معنا حتى وإن فارقتنا أجسادهم , وأرواحُ من لانُحبُ ترحلُ عنا رغم بقاء أجسادهم ..!!