ما إن تدخل في حوار مع أحد ما، وتبدأ فعاليات تشريح التصرفات والمواقف بمقص التفكير وسكين الأنا، فتقيم من هم في الموقف بما هو أدنى وأعلى من الكلمات، إلا وتخرج كلمة من أحدهم “لسانك حصانك إن صنته صانك وإن..”.
كلمة كهذه لا بد وأن نعيد صياغتها تناسبًا مع الوضع الراهن لأننا لم نعد متحدثون بألسنتنا، بل أصبحت أجهزتنا الذكية هي لساننا الناطق. وتأمل معي عزيزي القارئ كم مرة كانت التغريدة هي تعبير عن رأيك لموقف تربوي أو اجتماعي أو اقتصادي؟ وكم مرة كان الإعجاب وإعطاء “اللايك” هو الترجمان لكلمة فعل جيد وعمل رائع؟ وكم مرة كان الاشتراك في قناة أو حساب أو موقع دلالة واضحة ورمزًا لكلمة أعجبني”.
وكم؟ وكم؟ هذه المواقف ونقائضها لو جمعناها لوجدنا فعلًا أن لمسة من أيدينا على لوحة الحروف تعني أن لساننا في حالة تأهب، وأن كلمة تُكتب عندما تعلو شاشة الجهاز في الواتساب مؤشر على أن لساننا في حالة انطلاق لسباق تقني محموم حول التعبير عن الفكرة، وأن قلبًا صغيرًا يظهر على الصورة هو برهان على تناغم اليد مع العقل، فأنت اخترت ما تريد، وفضلته على الآخرين. إذن لم تعد ألسنتنا ناطقة، لل أجهزتنا هي من تجهر بالقول عنا.
لذا ينبغي أن نتذكر أن شخصياتنا ودواخلنا لم تعد ضبابية أمام الآخرين، بل هي تتكشف شيئًا فشيئًا ما إن تكتب كلمة أو تضغط على قلب صغير لترسل إعجاب أو تغريدة أو حتى مشاركة. ولعل النكتة التي أضحكتنا يومًا عن الأم التي تقدمت لخطبة فتاة لابنها، فسألوها: هل رأيت العروس سابقًا؟ فقالت: رأيت يدها في الانستغرام، ورجلها وهي تمشي في السناب، ووجهها في حالة الواتساب وهكذا جمعناها. هذه النكتة على بساطتها تعطيك دليلًا واضحًا على أنك في الواقع الافتراضي لم تعد شخصًا مجهولًا بكل معنى الكلمة، خاصة وأنك تتشارك مع الآخرين أفكارك واهتماماتك وميولك، وزد على هذا حديثك فاكتشف منه مدى ثقافتك ووعيك أو سذاجتك، لأنه ببساطة لم يعد المرء مخبوء تحت طي لسانه بل تحت أزرار جواله. ولا تنس “جوالك حصانك إن صنته صانك”.