يشهد هذا العصر تنوعًا فريدًا وسريعاً في جميع مناحي الحياة العامة، ونظرًا لما يشهده نظام التعليم من تغيرات سريعة وتطوير مُطرد كان لزامًا على المهتمين بالتعليم مواكبة هذا التغير والتطور بما يتوازى معه؛ من خلال تطوير جميع مكونات المنهج؛ إذ أن تزايد المعرفة العلمية وتطورها فرض على التربويين تغيرات وتطورات في جميع عناصر منظومة التعليم؛ مدخلاته وعملياته ومخرجاته، فبقاء التعليم على ما هو عليه يجعل النظام التعليمي عاجزًا عن مواجهة هذه التطورات التي أفرزتها الثورة العالمية في تكنولوجيا المعلومات، والاتصالات التي حولت المجتمع إلى مجتمع معلوماتي، والسيادة تكون فيه للدول التي تستطيع إنتاج المعرفة وتٌحسن استخدامها. (الهاشمي، 2008م، ص15).
وعلى هذا الأساس تواجه منظومة التعليم العربية تحديات كبيرة في ظل تزايد المعلومات والطفرة التكنولوجية المعاصرة، وما أفرزته من مواقف ومشكلات تركت انعكاساتها على الأنظمة التربوية التي أضحى لزاماً عليها أن تعد الإنسان ليعيش في القرن الحادي والعشرين، ويواجه مستقبلاً مليئاً بالتحديات والمحاذير، ويتكيف مع متطلبات هذا القرن بإيجابياته وسلبياته (الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، 2009م، ص7).
وتسعى وزارة التعليم في المملكة العربية السعودية جاهدة لمواكبة التطورات العالمية المتسارعة، وتلبية الحاجات الداخلية الملحة لتطوير التعليم العام في جميع جوانبه وشؤونه، فعمدت إلى القيام بالعديد من المشاريع التطويرية، ومنها مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم.
ويهدف هذا المشروع إلى تطوير التعليم في جميع جوانبه، وتقديم تغذية راجعة لصناع القرار، وتقويم لكل ما يتصل بالمناهج بجميع مكوناتها ( الأهداف، والمحتوى، وطرائق التدريس والوسائل والأنشطة التعليمية، والتقويم).
ويتفق المربون وصانعو القرارات السياسية والتربوية على أن المعلم من أهم عناصر منظومة التعليم في أي مجتمع؛ لأنه يقوم بدور جوهري في تكوين الأفراد القادرين على استثمار أقصى طاقاتهم في سبيل الإسهام في تحقيق الأهداف السياسية والتربوية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمع، ويؤكد التربويون أنه لا يمكن تفعيل أي إصلاح في منظومة التعليم بدون معلمين مؤهلين تأهيلاً جيداً ومعاصراً، ولديهم الكفايات اللازمة لإنجاح هذا الإصلاح.(الدهش، 2009م، ص67).
إن المعلم هو العنصر الأساس والحاكم في العملية التعليمية، وله الدور الفاعل والمؤثر في تحديد جودة مخرجات العملية التعليمية، فمهما كانت جودة المناهج، ومهما توفرت التكنولوجيا والوسائط التعليمية، يبقى المعلم- بعد أن يدخل حجرة الدراسة- هو سيد الموقف في استثمار الإمكانات المتاحة لتحريك عقول وقلوب الطلاب(عبيد، 2004م، ص19).
إن أي إصلاح تعليمي باتجاه معايير ومتطلبات تحقيق الجودة الشاملة في النظام التعليمي لا يمكن أن يحقق أهدافه، أو يبلغ مقاصده ما لم تشكل التنمية المهنية للمعلم بعداً أساسياً من أبعاد استراتيجيات وخطط الإصلاح والتطوير؛ نظراً لأهمية وحيوية الدور الذي تلعبه في تجاوز فجوة الأداء بين الممارسات الحالية للمعلمين الموجودين في الخدمة، وبين الجديد في العملية التعليمية.(قحوان، 2002م، ص14).
وهذا ما أكده الحبلاني(1420هـ، ص2) باعتبار أن أي مشروع لتطوير التعليم لابد أن يضع في رأس أولوياته تطوير وتأهيل المعلم؛ كونه حجر الزاوية، والمحرك الرئيس للعملية التعليمية، وزيادة الاهتمام بعملية تدريب المعلم وتطوير أدائه طيلة فترة خدمته ليس من باب الترف، بل يأتي لضمان مواكبة المستجدات الحديثة والمتسارعة للعملية التعليمية.
وتزداد أهمية التنمية المهنية في العصر الحديث حتى أصبحت ضرورة ملحة؛ نظراً للتطور السريع في المجالات والمهن كافة، مما يستلزم مواكبة الأفراد لهذا التطور المتسارع؛ إذ إنه سوف يضع الفرد أمام مسؤوليات جديدة و مهام كثيرة وأعباء متنوعة لابد من الوفاء بها.(الطعاني، 2002م، ص14).
إن التنمية المهنية للمعلمين تعمل على تزويدهم بالمعلومات والمهارات والمستحدثات العلمية، والتكنولوجية، والنظريات التربوية التي تجعلهم أكثر قدرة على مواكبة هذه التغيرات، كما تعمل على تنمية التربية المستمرة، وتعريف المعلمين بكيفية القيام بواجبات رسالتهم ووظائفها، وتعمل على تأهيلهم وفق معايير وقواعد محددة.(محمد وسهير حوالة، 2005م، ص173).
كما أن الحاجة إلى التنمية المهنية للمعلمين تبرز في حال إدخال مناهج جديدة أو مواد إضافية، أو ظهور أدوار جديدة لم يتم تأهيلهم لها في الأساس، أو التأهيل المستمر للمعلم وفق أحدث النظريات والممارسات في مجال التعليم.(جمانة عبيد، 2006م، ص106).
وتمثل رؤية المملكة 2030م إطاراً للتحول والتغير إلى مجتمع قائم على المعرفة، والتحول هنا مختلف تماماً عن أي تحول يمكن أن يحدث في كثير من الدول، إنه تحول من الاعتماد الأساسي على النفط، إلى الاعتماد على موارد حيوية وبشرية قادرة على الابتكار والإبداع والإنتاج، كما توضح هذه الرؤية رسالة العملية التعليمية؛ باعتبارها دعماً وتطويراً لتحقيق أهداف الرؤية؛ من خلال بناء جيل قادر على الوصول بالمملكة العربية السعودية إلى أعلى القمم في مختلف المجالات، فهذه الرؤية تشمل قطاع التعليم، بل وتركز عليه، فتهتم بتطوير المنظومة التربوية بجميع مكوناتها، ومن أهم مكوناتها المعلم وسبل إعداده وتطوير أدائه.(الدوسري،2017).
وفي الختام يمكننا القول بأن إعداد المعلم الجيد وتنميته وتدريبه على رأس الخدمة تدريبًا جيدًا سيساهم بلا شك في الرفع من جودة أدائه وسينعكس ذلك على المخرجات التعليمية، والتي من شأنها ستسهم في إنتاج جيل يحقق رؤية المملكة العربية السعودية الطموحة.
------------------------
*باحث دكتوراة في فلسفة التربية، مناهج وطرائق تدريس