خرج الملايين من الإيرانيين في مسيرات ضخمة في أنحاء البلاد تأييداً للحكومة والمرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي، وتنديداً بالتظاهرات وأحداث العنف، التي ضربت بعض المدن في الاسبوع الفائت. في حين ركزت خطبة الجمعة في مساجد عدة حول اتهام السلطات الإيرانية للسعودية والولايات المتحدة بالوقوف وراء الاحتجاجات المناهضة للغلاء والبطالة، وتحولت إلى تظاهرات مناوئة للنظام.
في المقابل، استمرت الاحتجاجات ضد الحكومة في مدن إيرانية عدة، لكن ليلاً، لسهولة التحرك من جهة، ولعدم التصادم مع تظاهرات التأييد للنظام نهاراً، وسط دعوات لاستمرار الاحتجاجات وتصعيدها، حيث انتشرت ملصقات تحت عنوان «الغضب لدماء الشهداء»، تندد بقتل قوات الأمن 50 متظاهراً واعتقال أكثر من 2000. وفي شوارع طهران، لا يزال انتشار الشرطة كثيفا رغم الهدوء، الذي بدت فيه صباح أمس، بعد ليلة شهدت احتجاجات ردد فيها المتظاهرون شعارات ضد المرشد خامنئي، بحسب وكالة أسوشيتد برس. أما في المحافظات، فسارت تظاهرات محدودة مجددا مساء الخميس، بحسب مقاطع فيديو نشرت على شبكات التواصل الاجتماعي من دون التحقق من صحتها.
مجلس الأمن
هذا وعقد مجلس الأمن الدولي مساء أمس، بطلب أميركي، جلسة خاصة لمناقشة الاحتجاجات. وقبل الاجتماع قالت هيذر نويرت، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، إن الحكومة الإيرانية تواصل قتل وسجن من يمتلكون شجاعة كافية للنزول إلى الشارع للمطالبة بحقوقهم. واضافت: «ما زلنا نراقب عن كثب الاحتجاجات وأعمال العنف في إيران. لقد أعرب الشعب الإيراني عن رغبته في الحصول على معاملة كريمة، ووضع حد للفساد، وتحسين الشفافية، وزيادة الفرص الاقتصادية.
وتابعت: «نحن نؤيد هذه التطلعات المشروعة للشعب الإيراني، وندعو الحكومة إلى السماح بالتبادل الحر للأفكار والمعلومات. محذرة من ان اميركا تتمتع بسلطات وافرة لمحاسبة من يرتكبون أعمال عنف ضد المتظاهرين، أو يساهمون في فرض الرقابة، أو يسرقون شعب إيران. ونتوجه لضحايا النظام بالقول إننا لن ننساكم».
بدورها، السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي، قالت إن «التطورات في إيران تخص مسألة أساسية هي ضمان حقوق الإنسان للشعب الإيراني، إلى جانب أنها مسألة سلام وأمن دوليين».
وحذرت من خطر انزلاق إيران إلى السيناريو السوري، مشيرة إلى أن «العالم شاهد الفظائع التي تشهدها سوريا، والتي بدأت بعد رفض النظام الدموي حق الشعب في الاحتجاج السلمي».
في المقابل، استبقت موسكو الجلسة الطارئة لمجلس الامن، معلنة معارضتها للدعوة التي اعتبرتها تعديا سافرا على سيادة ايران. وقال سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، «الولايات المتحدة مستمرة في انتهاج سياسة التدخل المعلن والسري في الشؤون الداخلية للدول بشكل سافر وبلا حرج، كما تتعدى بصراحة على سيادة الآخرين متسترة بشعارات الديموقراطية وحقوق الإنسان».
«لا يمكننا التعامل مع الدعوة الأميركية لاجتماع مجلس الأمن لبحث الوضع في إيران إلا من هذا المنظور، إذ تدعو واشنطن إلى بحث قضية تعدّ شأنا داخليا إيرانيا بحتا».
وسبق لريابكوف ان حذر واشنطن من محاولات التدخل في الشأن الإيراني، ودعاها إلى عدم استغلال ما تشهده إيران لإجهاض الاتفاق النووي المبرم معها.
طهران تتهم الـ«سي آي إيه»
وكعادتها حاولت طهران حرف الأنظار عن السبب الأساسي للاحتجاجات، ولتبرير قمع المتظاهرين، وجهت الاتهامات إلى عملاء الخارج، وفق نظرية المؤامرة، حيث قال النائب العام بإيران، حمد جعفر منتظري، ان الاحتجاجات صممها مسؤول سابق في وكالة الاستخبارات الأميركية، يدعى مايكل اندريا، على حد تعبيره، متهما السعودية بتمويلها. وقال منتظري، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية: وفقا للمعلومات المتوفرة فقد أقدم القائمون على غرفة العمليات (المفتعلة للتظاهرات) ومن خلال دراسات كثيرة على مرّ الاعوام السابقة، أقدموا على خلق تحركات (شعبية) مطلبية حملت عنوان «لا لزيادة الأسعار»، و«لا لدفع الفواتير»، و«حركة خاسري الاموال والمتقاعدين».
بدوره، قال أحمد خاتمي، خطيب الجمعة في طهران، إن ما وصفه بالصوت الذي يرتفع بالنيابة عن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لا يعبر عن الشعب ويمثل «صوت الأجنبي»، على حد تعبيره. ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية على لسان خاتمي قوله: «ان ما يمر هذه الأيام على بلادنا هو مظهر للتنفيس عن العقد من جانب أميركا، التي تتلقى الهزائم في العراق وسوريا. وزعم ان هناك مخططاً تضمن رصد الاموال من جانب السعودية والتنفيذ من قبل أميركا بأن يتم ارسال السلاح الى إيران شيئا فشيئا من غرفة العمليات الأميركية في هرات (افغانستان) وأربيل (شمال العراق)، ومن ثم الاجهاز على النظام في فبراير حسب تصورهم، حيث تحتفل ايران في 11 فبراير بذكرى انتصار الثورة الإسلامية».
عبادي تحث على الثورة
في المقابل، حثت شيرين عبادي، الحائزة نوبل للسلام، الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على دعم الاحتجاجات في أنحاء إيران بعقوبات سياسية، وليس بإجراءات اقتصادية يمكن أن تلحق الضرر بالمواطنين. وقالت إنها تؤيد الاحتجاجات «مئة بالمئة»، وحثت الشعب في إيران على البقاء في الشوارع سلميا والمشاركة في عصيان مدني. وقالت عبادي «على الناس أن يتوقفوا عن دفع فواتير الكهرباء والماء والغاز. لا يتعين عليهم دفع ضرائبهم. عليهم أن يسحبوا أموالهم من البنوك». وأضافت «أدعو أبنائي في قوات الشرطة والحرس الثوري إلى عدم إشهار أسلحتهم، والامتناع عن قتل إخوانهم وأخواتهم. إذا تحسن وضع البلاد ستستفيدون أيضا من ذلك». وطلبت من القوى العالمية تزويد شباب إيران بخدمات إنترنت عبر الأقمار الصناعية «سريعة ومجانية»، ولا يمكن للسلطات الإيرانية رقابتها.
أردوغان: «هناك لعبة جارية» وتدخل اميركي
اتهم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان كلا من الولايات المتحدة واسرائيل بالتدخل في شؤون باكستان وايران التي هزتها حركة احتجاجية استمرت عدة أيام. وقال اردوغان: «من المستحيل لنا أن نجد من الصحيح ان تتدخل بعض الدول وخصوصا الولايات المتحدة واسرائيل في الشؤون الداخلية لايران وباكستان».
واضاف ان هذا الامر «يؤلب الناس على بعضهم في هذين البلدين، ومن المؤسف ان نجد ذلك يمارس في العديد من الدول في العالم».
لم يذكر اردوغان اي تفاصيل عن باكستان لكن تصريحاته هذه تأتي بينما علقت الولايات المتحدة مساعدة امنية بقيمة مئات ملايين الدولارات لاسلام اباد وطالبتها «بتحرك حازم» ضد فصائل طالبان. وبعدما ذكر العراق وسوريا ومصر وليبيا وفلسطين وتونس والسودان وتشاد، اكد اردوغان ان «هناك لعبة جارية» في بعض الدول «وكلها مسلمة». واضاف «انهم يتخذون اجراءات للسيطرة على الثروات الباطنية لكل هذه الدول».
