هناك أشخاصٌ يمرّون في الحياة مرور الظلال، لا يتركون أثراً ولا يغيّرون شيئاً، وهناك آخرون يجيئون كأنهم هديةٌ من القدر، يحملون في حضورهم معنى، وفي كلماتهم نوراً، وفي مواقفهم ما يجعل الأيام أكثر اتزاناً. ومن بين هؤلاء يبرز يوسف حامد الشيخي، الرجل الذي لا يرى بعين العابر، ولا يمرّ مرور المألوف.
لم يكن يرى الموهبة حين تكتمل، بل حين تكون بذرةً صغيرة تبحث عمّن يلتقطها. كان يدرك أن في كل إنسان قدرةً تنتظر من يوقظها، وأن في كل روحٍ صوتاً يحتاج إلى من يسمعه. لذلك لم يكن يشجّع بالكلام وحده، بل بالفعل؛ يمنح الثقة، ويفتح الأبواب، ويضع بين يدي الموهوبين مساحةً تكفي ليظهروا كما ينبغي.
كان يوسف متمكناً من العربية تمكّن العارف بأسرارها، العائش في ظلالها، المتنفس من حروفها. لا يتعامل مع اللغة كأداة، بل كرفيقةٍ لها هيبتها وجمالها. وحيثما حلّ، حلّ معه احترامٌ للكلمة، ووقارٌ للمعنى، وذائقةٌ لا تخطئ جمال البيان.
ولم يكن من أولئك الذين يقفون في المقدمة وحدهم، بل من الذين يمدّون أيديهم ليصعد غيرهم. كان يؤمن أن القيادة ليست سلطة، بل مسؤولية، وأن القائد الحقيقي هو من يترك خلفه أثراً لا منصباً. لذلك لم يكن يوجّه فحسب، بل يفوّض، ولا يراقب ليحاسب، بل ليطمئن. يعطي الفرصة كاملة، ويمنح الثقة كاملة، ويقف خلف من ينهض، لا أمامه.
وهناك من يترك أثراً يشبه الندى: خفيفاً، ناعماً، لكنه لا يزول. وكان يوسف كذلك. يترك في النفوس يقيناً بأن الموهبة حين تجد من يراها تتحول إلى طريق، وأن الثقة حين تُمنح بصدق تصبح سلّماً يرتقي به الإنسان. ولذلك يبقى أثره ممتداً، لا تحدّه لحظة، ولا يطويه غياب.
فالحديث عنه ليس وصفاً لرجلٍ مرّ، بل اعترافٌ بفضلٍ باقٍ. فبعض الأشخاص لا يمرّون في حياتنا، بل يضيفون إليها، وبعض القلوب لا نذكرها، بل نرتقي بذكراها. ويوسف واحدٌ من أولئك الذين يليق بهم الامتنان، ويليق بهم أن تُكتب فيهم الكلمات كما تُكتب القصائد.
آخر الأخبار > يوسف.. ندَى الثقة ورفيقُ الموهبة
23/12/2025 8:34 م
يوسف.. ندَى الثقة ورفيقُ الموهبة
بقلم / هادي بن علي الزبيدي
بقلم / هادي بن علي الزبيدي
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.mnbr.news/454423.html


