بقلب يعتصره الحزن، وبمشاعر مثقلة بالفقد، نودّع صديق العمر ورفيق الدرب في أيام الشباب والدراسة، وفي ملاعب الحارات ودورياتها، ثم في نادي الصحاري بالنويعمة في وادي الدواسر، محمد بن ناصر آل جبير رحمه الله، الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى يوم الخميس الموافق 27 جمادى الآخرة 1447هـ، 18 ديسمبر 2025م، وصُلّي عليه في اليوم التالي بعد صلاة الجمعة في جامع التوحيد بمركز تمرة، ثم وُوري جثمانه الثرى في مقبرة تمرة، وسط حضور كبير عكس مكانته في القلوب قبل الأسماء.
لم يكن محمد مجرد اسمٍ نعرفه، بل كان قيمة إنسانية خالصة، ورجلاً طيب القلب، نقي السريرة، كريم النفس، صافياً في تعامله، صادقاً في وده، قريباً من الجميع بلا تكلف ولا ادعاء؛ عرفناه متواصلاً مع زملائه وأصدقائه، حتى أولئك الذين زاملهم في مقاعد الدراسة قبل عقود، وكأن الزمن لم يمر عليه في علاقاته، بل زاده وفاءً وصدقاً.
كان – رحمه الله – قدوة رياضية مبكرة، وشخصية فريدة جمعت بين الموهبة والأخلاق؛ تميّز بتعدد مواهبه الرياضية؛ مثّل المدرسة في المرحلة المتوسطة في كرة القدم والكرة الطائرة وألعاب القوى، وكان اسماً بارزاً يُختار لتمثيل المحافظة في المنافسات على مستوى المملكة؛ لم تكن الأنانية تعرف طريقها إلى قلبه، بل كان مثالاً للتعاون، وبذل الجهد، والعمل بروح الفريق، وهو ما رأيناه قبل وفاته سبباً في ما حققه من محبة واحترام من الجميع.
وفي فترة تأسيس نادي الصحاري، كان محمد بن ناصر آل جبير أحد الركائز التي يُعتمد عليها، إذ كان حلقة وصل بين النادي ولاعبي الحواري في المراكز المحيطة، مستفيداً من علاقاته الواسعة التي بناها بخلقه قبل موهبته، وبحضوره قبل اسمه؛ كان يؤمن أن الرياضة رسالة وأخلاق قبل أن تكون منافسة، ولذلك بقي أثره حاضراً حتى بعد أن غاب الجسد.
رحيله ليس أمراً هيناً على كل من عرفه أو عاشره أو شاركه لحظة من عمره، فالفقد موجع، والغياب ثقيل، ولكنها سنة الله في خلقه، نؤمن بها ونسلّم، وإن كانت الدموع لا تخفي لوعة القلب، ولا الكلمات تفي حق رجلٍ ترك بصمته في النفوس قبل الميادين.
رحم الله محمد بن ناصر آل جبير رحمةً واسعة، وجعل ما قدمه في ميزان حسناته، وأسكنه فسيح جناته، وجعل قبره روضةً من رياض الجنة.
نسأل الله أن يلهم أهله ومحبيه وأصدقاءه الصبر والسلوان، وأن يعوضهم خير العوض، وأن يجعل العوض والامتداد المبارك في أبنائه ناصر وفهيد وجمعان، وأن يحفظهم، ويجبر خواطرهم.
إنا لله وإنا إليه راجعون.


