مهنة التدريس من المهن التي عرفها البشر منذ قديم الزمان، فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، الذين علموا البشر العقيدة الصحيحة وتوحيد الله عز وجل وحده لا شريك له، وأخرجوا البشر من ظلمات الجهل وأعدوا معلّمين عملوا على نقل كل ذلك عبر الأجيال.
تعتبر مهنة التدريس من أشرف المهن التي يقوم بها الإنسان، فأهميّتها لا تقلّ أبدًا عن الطبّ أو الصيدلة أو المحاماة وغيرها من المهن، فالمعلم هو الشخص الذي ينشئ أجيالًت واعدة متعلمة ومثقفة، وعندما يقف المعلم في الصف فإنه يعطي علمه لعشرات الطلاب وليس لطالب واحد، لذا فإنّ تأثيره على المجتمع سيكون كبيرًا من خلال التأثير على عقول ذلك العدد الكبير من الطلاب.
والمعلم قبل أن يعطي علمه لتلاميذه فهو أيضًا يعلّمهم الأخلاق الحميدة، ويهذب طباعهم، ويجعل منهم أشخاصًا ذوي هدف في هذه الحياة، وينير عقولهم ليفكروا بطريقة صحيحة وإيجابيةّ، ولكشف الحقائق أمامهم، كما أنّ جميع المهن الأخرى لا يمكن أن تكون موجودة دون المعلم، فالطبيب مثلًا قبل أن يصبح طبيبًا مرّ على معلم جعله يتقن الطبّ، والمعلّم يولد الأمل لدى طلابه ويجعلهم أكثر يقينًا بأنّهم هم بناة المستقبل.
بالإضافة إلى كلّ ما سبق فإنّ المعلم هو الذي ينشئ طلابًا أكثر إبداعًا في مجالات الحياة المختلفة من خلال تجدده وابتكاره في أداء مهنته، وهو الذي يشجعّهم على المضي قدمًا نحو المزيد من الإبداع، وبالتالي فإنّ مهنة التدريس هي المهنة الوحيدة القادرة على بناء المجتمعات الناجحة والمتفهّمة لهذه الحياة ومتطلّباتها، والمواكبة لكلّ ما هو جديد في هذا العالم، وهي المهنة التي تنشئ العلماء والمفكّرين في المجتمعات المختلفة.
وقبل أن تكون مهنة فهي رسالة تقترب من رسالة الأنبياء والرسل عليهم السلام. كذلك تعتبر مهنة التعليم مهنة أساسية في تقدم الأمم، فالتجارب الدولية المعاصرة أثبتت بما لا يدع مجالًأ للشك أن بداية التقدم الحقيقية للأمم بل الوحيدة هي التعلم، فالدول المتقدمة تضع التعليم في أولوية برامجها وسياستها.
ويمثل التعليم الاستراتيجيات القومية الكبرى لدول العالم المتقدم والنامي على حد سواء، نظرًا لما لمسته تلك الدول من أدوار ملموسة للتعليم في العمليات التنموية، والسياسية، والاقتصادية، وتتميز مهنة التعليم بأنها تسبق المهن الأخرى في تكوين شخصية الأفراد قبل أن يصلوا إلى سن التخصص في أي مهنة. ولعل هذا ما دفع الباحثين إلى أن يصفوا التعليم بأنه المهنة الأم التي تسبق جميع المهن، وتمدها بالعناصر المؤهلة علميًا واجتماعيًا وفنيًا وأخلاقيًا.
وتعد مهنة التعليم مهنة سامية ورسالة مقدسة، لأنها تتطلب من المعلم عملًا متواصلًا ومهارات خاصة وخلقًا قويمًا ينبثق من الشعور العميق بالمسؤولية نحو الفرد المتعلم، وأهداف المجتمع، فالمعلم قدوة حسنة لتلاميذه في الأخلاق والتحصيل العلمي.
ولا يقتصر أثر المعلم في تلاميذه على مادته العلمية، وإنما بقيّمه واتجاهاته وسلوكه بحيث ينعكس ذلك كله على أفعال وتصرفاته التي سرعان ما تنتقل إلى تلاميذه باعتباره القدوة والنموذج الذي يحتذي به.
إن مهنة التعليم لها دستورها الأخلاقي الذي ينبع من الإطار الأخلاقي العام في المجتمع، ويتضمن المسؤوليات الأخلاقية التي تقوم عليها ممارسة المهنة والمفترض أن يرتبط بها جميع المعلمين ويتمسكون بها ويطبقون قيمها ومبادئها على جميع أنواع سلوكهم، لذلك لا بد من أن يكون الشخص الذي يمارسها متصفًا بأفضل الصفات والمميزات، ويكون ذا أفق واسع، وخلق قويم، وهى مهنة تتطلب من أصحابها علمًا ومهارة وشعورًا بالأمانة والتزامًا بالمسؤولية اتجاه الفرد المتعلم، ذلك لتحقيق أهداف المجتمع وطموحاته وانطلاقا من الإيمان الراسخ بأهمية مهنة التعليم، وأن المعلم صاحب مهنة متميزة.