قام العاملون بمجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة الليلة الماضية برفع الجزء السفلي من كسوة الكعبة بمقدار ثلاثة أمتار، استعداداً لموسم الحج.. وتعتبر كسوة الكعبة من أهم مظاهر الاهتمام والتشريف للبيت الحرام.
وتاريخ كسوة الكعبة هو جزء من تاريخ الكعبة نفسها، فقد ذكرت بعض الروايات أن إسماعيل عليه السلام هو أول من كساها، وذكرت روايات أخرى أن عدنان بن إد، الجد الأعلى للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، هو أحد من كسوها.
لكن أرجح وأغلب الروايات تقول إن أول من كسا الكعبة كاملة في زمن الجاهلية هو تبع الحميري ملك اليمن، بعد أن زار مكة ودخلها دخول الطائعين، كما أنه أول من صنع للكعبة باباً ومفتاحا.
وبعد الملك تُبع، كساها خلفاؤه بالجلد والقباطي، واستمرت عملية كسوة الكعبة في زمن الجاهلية إذ كانوا يعتبروها واجباً دينياً، حتى آلت الأمور إلى قصي بن كلاب الجد الرابع للنبي الكريم، والذي استطاع تنظيم الأمر فجمع قبائل قومه تحت لواء واحد وعرض على القبائل أن يتعاونوا فيما بينهم في كسوة الكعبة.
ظهر بعد ذلك أبو ربيعة عبدالله بن عمرو المخزومي، وكان تاجراً ذا مال كثير وثراءٍ واسعٍ، فأشار على قريش أن اكسوا الكعبة، “أنا أكسوها سنة وجميع قريش تكسوها سنة”، فوافقت قريش على ذلك، وظل كذلك حتى مات.
وممن انفردن بكسوة الكعبة المشرفة امرأة تسمى نُتيلة بنت جناب، زوجة عبد المطلب بن هاشم سيد قريش وأم العباس، فقد ضاع ابنها العباس، فنذرت لله أن تكسو الكعبة وحدها إذا عاد إليها ابنها الضائع، فعاد، فكانت أول امرأة في التاريخ تكسو الكعبة وحدها.
ولم يكسُ النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة قبل فتح مكة، إذ لم يسمح له المشركون بذلك، إلى أن فتح مكة فكساها بعدما احترقت كسوتها القديمة على يد امرأة كانت تريد تبخيرها، وكساها بعده الخلفاء الراشدون بالقباطي التي كانت تُحاك في مصر، باستثناء علي رضي الله عنه الذي لم يكسها لانشغاله بالفتن التي حدثت في عهده.
وفي عهد بني أمية استمرت كسوة الكعبة من بيت مال المسلمين، وكانت تكسى مرتين في السنة، واستمرت كذلك في عهد العباسيين، وبدأت تُكسى الكعبة بالديباج الأسود منذ كساها الناصر لدين الله أبو العباس أحمد الخليفة العباسي، واستمرت على لونها هذا إلى يومنا.
ثم ما زال ملوك اليمن وملوك مصر يتعاقبون على كسوة الكعبة حتى تفردت مصر بكسوتها ، فقد كانت تأتي من مصر من مال الوقف الذي وقفه الملك الناصر ابن قلاوون على الكسوة منذ سنة (750هـ)، ثم صارت بعد ذلك ترسل من قبل الحكومة المصرية في العصر المملوكي والعثماني.
وظلت كسوة الكعبة المشرفة ترسل من مصر إلى أن توقف إرسالها نهائياً سنة 1381هـ، حيث اختصت المملكة بصناعة كسوة الكعبة المشرفة إلى يومنا هذا.
