بقلوبٍ يغمرها الأسى، ورضا يلتفّ حوله اليقين بحكمة الله تعالى، ودّعنا الشاب محمد بن أحمد بن جدعان؛ ذلك الشاب الذي عرفناه بحيائه وأدبه وهدوئه، كان يكسب المحبة في كل مكانٍ يحلّ فيه.
رحل “محمد”، لكنه ترك أثرًا عميقًا في النفوس، وذكرياتٍ ستظل عالقة في ذاكرة المحبين من الأهل والأصدقاء والمعارف.
عرفته منذ أن كان صغيرًا، يميل إلى الهدوء، قليل الكلام، بل كان حديثه مختصرًا يكسوه الحياء، في هدوءٍ وأدبٍ وخلقٍ رفيع.
أذكر كيف كان والده يتعامل معه على أنه الرجل الكبير رغم صغر سنه، يسأله ويشركه في الرأي والمسؤولية رغم ظروفه الصحية، وكان إلى جانب والده فاكتسب منه العلاقات الطيبة مع الناس والمحبة والتقدير.
ورغم ما كان يمرّ به “محمد” من ظروفٍ صحيّة، إلا أنه حمل قلبًا قويًا، ونفسًا راضية، وروحًا صابرة. ورغم أن ظروفه الصحيّة أحيانًا لم تكن سهلة، إلا أن ذلك لم يمنعه من تحمّل مسؤولياته في بيته وعمله، بل كان مثالًا للصبر والجدّ والاجتهاد.
عمل في أمانة مكة المكرمة، وقبلها في بلدية العرضية الجنوبية، فأدّى عمله بأمانةٍ وإخلاص، وسعى لخدمة الناس، واكتسب محبة زملائه واحترامهم، كما اكتسب محبة الناس وتقديرهم، فكان مقبولًا بينهم بحسن خلقه، محاطًا بدعوات من عرفه، وكلما ذُكر اسمه تتابعت الشهادات الطيبة على سيرته.
وعندما جاءت ساعة الوداع الأخير، اجتمع الناس من مختلف الجهات، يشارك كلٌّ منهم بكلمةٍ أو دمعةٍ أو دعاء، وكأن قلوبهم اتفقت على أن فقده كان صدمة كبيرة؛ فقد دخل المستشفى، وانتقل إلى قسم العناية المركزة، وسريعًا وصل الخبر المؤلم.
ولعل ما يطمئن النفس أن الصلاة عليه كانت في الحرم المكي الشريف في حضور مئات الآلاف من المصلين والداعين، وتوالت الدعوات له على القبر وفي مكان العزاء، ومثلها أضعاف مضاعفة في ظهر الغيب.
لقد كان “محمد” ممن يمرّون في الحياة بهدوء، لكن أثرهم يظل طويلًا؛ يبقى في حديث الناس، وفي دعاء العارفين، وفي الذكريات التي لا تزول.
نسأل الله تعالى أن يجعل ما قدّم من خلقٍ كريم وحياءٍ وبرِّ والدين ورفعة نفسٍ شاهدةً له يوم يلقاه، وأن يفتح له أبواب الجنة، وينزله منازل الصالحين الأبرار، وأن يجعل قبره روضةً من رياض الجنة، ويلهم أهله الصبر والسلوان.
إنا لله وإنا إليه راجعون.


