كثيرٌ من الذكريات المكدسة تقبعُ سطور الرسائل، وعلى أرصفة الطرقات وعُلب الهدايا، وفي رائحة العطور، وثمة ذكرياتٌ عالقةٌ على أطرافِ الطاولات التي ورثتها اللقاءتُ المنتظرة كماً مهوولاً من التفاصيل
.
الكثيرُ الكثير من الجمادات الممتلئةِ بتفاصيل لاتنتمي لها غير أننا نحنُ من ننتمي لها.
بالنظرِ إليها تبدو كجماداتٍ لا تحملُ شيئاً، غير أنها مثقلةٌ تماماً بذكرياتٍ تجعلنا بطريقةٍ أو بأخرى نعودُ لها مجدداً.
معظمُ الذكريات تنقضُ وتبدأ بالمضيّ نحوك، ما إن تُعطيها المجال بذلك.
حتماً ستصطدمُ بذكرياتك عبرّها، هي تجسدُ مرحلة ما ولحظةٌ من العمّر،حتما ستأخذك لعوالم ناضلت جاهداً لتجاوزها.
ستصيبُك حتماً في لحظة تظن بأنك تجاوزت، غير أن شيئاً من هذهِ الجمادات الميتة سيبعثُ الروح بداخلك، تلك الروح التي انطفأت بعدما رحلّ أصحابُ اللحظة والذكريات التي عادت بك لها.
ذكريات الأشخاصِ والمراحل واللحظات هي من سكنت هذه الجمادات، ولو أنّ للذكرياتٍ بيوتٌ لكانت الجماداتُ بيوتاً لها.
يقصدُ المرء الأماكن القديمة حينما يقودهُ الحنين للماضي إليها، حينما يرغبُ العودة من جديد.
يسميّ المرءُ العطور بأسماء الأشخاص الذين يربطهم بها لا بأسمائها لأنهُ يتذكرهم من خلالها.
يفرط المرء بالتحديق بصورٍ حفظ جلّ تفاصيلها ليكرر لحظةً ما ودّ لو تجددت.
يفضلُ المرء تاريخاً بعينه ويوماً محدداً لأنه جزءٌ من تفاصيلِ يومٍ سعيدٍ مرّ به.
يشتعل فتيل الذكريات على المرء عبر أغنيةٍ، نصّ أو حتى قصيدة.
هكذا هي الجمادات ممتلئةٌ بما يخصك أنتَ تحتضنُ ذكرياتك وتُخزنها بطريقةٍ كاملة عوضاً عنك كوفاءٍ منها لك، تشعرُ لوهلةٍ أن شيئاً ما منك ينتمي لها. تلمحُ بها جزءً من ماضيك، تتسع لكَ حيناً وتضيقُ بك حيناً آخر حتى أنك تتمنى لو أن النسيانَ سبيلاً للهروب.