بقلم: حصة محمد العامر  

التقدم مطمح كل حي، يسعى إلى الأحسن، ويعمل من أجل بلوغ الأفضل، ويكد بغية تحقيق الأمثل، ولن يتأتى ذلك إلا بإعادة الاعتبار الى الإنسان، باعتباره قاعدة كل بناء وأساس كل عمران، لا سيما في هذه المرحلة العصيبة من تاريخنا، فتفكيرنا الاستراتيجي يجدر به التوجه صوب الاستثمار في بناء الإنسان، لأن الثروة الحقيقة والدائمة تكمن في تنمية مواردنا البشرية التي يتحمل التعليم مسؤولية كبرى فيها، ولأن رأس مالنا الأساسي هو في بناء الإنسان.

وقد ارتبطت المدرسة عبر التاريخ بالعمل لبلوغ التطور، والخلاص من التخلف، والتحريض على البحث والإبداع، ونبذ التسلط والتقليد. والانفتاح على الماضي بوصفه نقطة البداية وليس نقطة النهاية، والتطلع إلى المستقبل، نجح العلم ولو جزئيًا في إزاحة الخرافة، تشجيع الخلق وروح المبادرة، الاستنارة والتنوير والانفتاح على المستقبل، والتطلع إلى الحرية والانعتاق الفكري. فهي سلاح لتحقيق الازدهار العلمي، والتفوق المعرفي، وما كان ذلك ليحصل، وتتحرر البشرية من أسر العقل وحجر الفكر، لولا التضحيات الجسام التي قدَّمها العلماء على مر التاريخ قربانًا، كي ننعم نحن بنور العلم وإشراقة الفهم الصافية. فالبحث العلمي وقود لا غنى عنه كي يستمر عطاء العلم، فهو يمثل عصب التطور، ورأس التقدم في المجال الفكري أو الثقافي أو السياسي.

المدرسة بجميع مراحلها على هذا النحو تمثل القلب الذي ينبض بالحياة في المجتمع، ويجدد فيه الحيوية ويشيع الحركة في شتى جوانبه، مزودًا إياه بالطاقة الحية التي تضمن له البقاء والاستمرار، من خلال توفير العقول الخبيرة المتشبعة بالمعرفة وبثها في شتى مجالات الحياة الاجتماعية كي تساهم بجهدها العلي وعطائها الفكري في معركة التنمية، مما يجعل من المدرسة تتبوأ مكانتها الرائدة كخزان معرفي يزود المجتمع بالزاد العلمي الذي ينير دربه، ويدفعه نحو تحقيق غاياته المنشودة.

والواقع أن المدرسة لا تقتصر مهمتها على تخريج الطلاب، وإنما ينبغي أن تكون مراكز للإبداع وتنمية المواهب والابتكار، وأن تسهم في عمليات التنمية المحلية في القطاعات الإنتاجية أو الخدمات من أجل خلق المجتمع المتعلم المثقف المبدع وترسيخ التقاليد العلمية التي ينبغي أن تتميز بالانفتاح الكامل على قضايا المجتمع.