يواصل المتتبعون تعليقاتهم على القمة التي اعتبرها كثرون قمة الشقاق والنفاق، قمة جسَّمت النوايا المبيتة لتحييد الأمة العربية عن عالمها الإسلامي، وغاب عن المخططين لها أن نور الإسلام بزغ من دولة عربية مؤتمنة على الحرمين الشريفين ألا وهي المملكة العربية السعودية، وقد شرفها المولى تعالى بذلك، وبتأمين ضيوف الرحمن، فأبدعت في تقديم الخدمات لهم وأقنعت باكتسابها لعلم التفويج الذي تألقت فيه كوادرها وإطاراتها.
فالمملكة العربية السعودية تعتبر قائدة العرب والمسلمين بلا منازع، وهذه القمة المصغرة -ولو أن عبارة قمة لا تستحقها- مثَّلت بؤرة فتنة وتفرقة، ولكن سرعان ما انكشفت نوايا الداعين إليها، فلم تنجح في تحقيق ما انعقدت من أجله، بل زادت العرب والمسلمين التفافًا وتعلقًا ببلاد الحرمين الشريفين، فلا رغبة لأحد في الانضمام إلى هكذا لقاء تآمري، خاصة وأن الداعيين إليه هما إيران وتركيا المخططان عبثًا لشق الصف العربي، بعد تاكدهما من أن السعودية ماضية وبنسق متصاعد نحو بناء دولة عصرية لها مكانتها العالمية في جل الميادين، وقد ساءهما ترؤسها لمجموعة الـ20، وعقدها لهذا التجمع الاقتصادي الهام في مدينة الرياض"الفاتنة" التي أصبحت تنافس أعتى المدن واشهرها في العالم.
بقى أن نشير إلى أن القطريين المشاركين في هذه القمة المهزلة عليهم أن يتاكدوا أنهم لن ينالوا أي مكسب لا من "الملالي" ولا من "ورثة العثمانيين" شيئًا سوى عزلهم عن أشقائهم العرب، تطبيقًا للمقولة الشعبية التونسية: "خوك، خوك، لا يغرك صاحبك"، أي مهما تودد الإيرانيون والأتراك لقطر فلن ينفعوها بشيء لأن سندها الوحيد والطبيعي، وامتدادها الاستراتيجي لن يكون إلا بجيرانها وأشقائها العرب، فنوائب الدهر عديدة، والمملكة العربية السعودية أظهرت على مر السنين أنها البيت العربي الكبير، والحضن الدافئ والشقيق الوفي الذي يلتجؤ إليه في السراء والضراء.
أملنا أن يستخلص أشقاؤنا العرب العبرة من هذه القمة المصغرة التي لم ولن تعوض منظمة التعاون الإسلامي مهما اختلقوا لها من أهداف، فمهندسو قمة كوالالمبور باؤوا بالفشل الذريع الذي كان دافعًا جديًا لوحدة عربية إسلامية متينة، شكَّلت مادة دسمة لتعليقات الدوائر السياسية العالمية وتنديديها، الذي برز من خلاله التعاطف مع السعودية، ودعم موقف قيادتها الحكيمة في تجميع الأمة الاسلامية وعملها الدؤوب لتحقيق المبادئ السامية لديننا الإسلامي الحنيف بعيدًا عن المصالح الضيقة والتكتلات السياسية الجوفاء.