بكل تأكيد فإن الكثير منكم قد سمع هذه العبارة يومًا ما، سواء من أحد زملاء العمل، أو أحد الجيران، أو حتى في إحدى المناسبات التي يحضرها أناس من خارج منطقة الجنوب، وبطبيعة الحال فإن المقصد من هذه العبارة هو الثناء على الأجواء الباردة التي تتميز بها بعض المناطق الجنوبية، وخاصة المرتفعة منها كمدينة أبها والباحة وغيرها.
وقد يتحمس البعض منهم فيطرح عليك سؤالًا مباشرًا: "بالله عليكم كيف تتركون دياركم الباردة وتأتون إلى هنا في هذا الحر الشديد؟"، ويظل ينتظر منك إجابة سريعة، وما علم أن إجابة سؤاله هذا قد تمتد إلى ساعات طويلة من الشرح وقد تملأ صفحات إحدى الكتب من القطع الكبير.
عندما بدأت هجرة الشباب من الجنوب إلى المراكز الحضرية في وسط البلاد وغربها وشرقها في بداية الطفرة الأولى لم يكن هدفهم في البداية الاستقرار، وإنما كان الهدف هو البحث عن عمل لجمع المال، ومن ثم العودة إلى ديارهم، لكن الذي حدث هو أن وهج المدينة وسهولة العيش فيها في ظل توفر جميع الخدمات التي يحتاجها الإنسان كانت بمثابة الإغراء الشديد الذي واجهه هؤلاء الشباب، فأثروا الاستقرار في هذه المدن وخاصة إذا عرفنا الفرق الهائل في التطور التقني والخدمي بين المراكز الرئيسية والأطراف، التي لا تزال تعاني مناطق شاسعة منها في الجنوب إلى وقتنا الحاضر، كل هذا وغيره كان دافعًا قويًا لأبناء الجنوب أن يضحوا بجمال الأجواء الباردة ولطافتها ليستقروا في هذه المدن على اتساع المملكة ويشاركوا في بناء وطنهم.
ولا شك أن هناك شيء من الضبابية لدى البعض، وربما قلة المعلومات عن بيئة الجنوب، وعن ثقافة الجنوب الإنسان والمكان، فهو يعتقد أن الجنوب بيئة واحدة ومكان واحد وثقافة واحدة، فيقعون في خطأ التعميم فلا فرق عندهم بين سهول الجنوب وسرواته وبين شماله وجنوبه، ولقد ساهمت بعض المسلسلات المحلية في تأطير شخصية الجنوبي في "كركتر" معين أو صفة معينة، مما ساهم في ترسيخ صورة ذهنية غير حقيقية عن المواطن الجنوبي وعن البيئة الجنوبية بشكل عام.
وقد تكون عبارة "يا حظكم يا أهل الجنوب" هي من ألطف العبارات التي تتردد كثيرًا على ألسنة البعض، خاصة في فترة الإجازات الصيفية، وكم نتمنى أن نجد الجنوب يومًا وقد أصبح مقصدًا لكثير من السياح والمصطافين وتصبح هذه العبارة ذات مدلول حقيقي وليست مجرد عبارة مجازية عابرة.