بدأت معرفتي بالراديو عام ١٣٧٥هـ حينما رافقت والدي لزيارة رئيس مركز القوز منصور بن ناصر الدوسري وكان يطلق عليه وقت ذاك أمير القوز أو طارفة القوز كانت إمارة القوز أول مبنى من الطراز المسلح بل أول مبنى يبنى بالبلك ويدهن باللون الأبيض حتى أن البعض يطلق على المبنى( الصهباء).
فيقال للأمير راعي الصهباء ولمن لا يعرف معنى الصهباء فهي البقرة البيضاء، وحينما دخلت مجلس الأمير وجدت عنده شخص من أهل القنفذة عرفت فيما بعد أنه مدني با كواسة ولاحظت أمامهم وجود صندوق كبير تخرج منه أصوات مشوشة، وبجواره أسلاك موصولة ببطارية كبيرة جدًا أشبه ببطارية التراكتر، وطلب مني الجلوس والاستماع إلى ( الرادي) كما قيل لي و قد استمعت جيًدا فسمعت المذيع يقول (هنا عدن) وإذاعة عدن تعد أقدم إذاعة في شبه الجزيرة بعد صوت العرب والتي مقرها القاهرة، ومما أذكر أنني استمعت إلى أغنية للمطرب اليمني أحمد عبيد قعطبي، كانت تلك هي المرة الأولى التي أشاهد وأستمع الى الراديو .
أما المرة الثانية فكانت في الحبيل عام ١٣٧٨هـ، حينما اشترى ابن عمي محمد بن إبراهيم الفقيه أول راديو في الحبيل وكان أصغر من الراديو الذي شاهدته أول مرة والبطارية أقل حجما، وأذكر أنه يخرج من الراديو سلك يربط بأعلى العشة (الحنونه)، كنا نتجمع عند ابن العم للاستماع إلى الراديو وكان يجلس معنا العم إبراهيم الذي يحب الاستماع إلى برنامج البادية الذي يقدمه محمد بن شلاح المطيري، وكنا لا نعرف اللهجة النجدية في حين أن العم إبراهيم كان يستمع بإمعان ويتفاعل مع شعراء المحاورة.
وعندما سافرت إلى القنفذة في عام ١٣٨٠هـ، سمعت أصوات الراديو في البيوت وفي المحلات وكانت تباع في سوق القنفذة لدى كل من بن عوض وبن خلف وبن هنيدي وقد اشترى خالي محمد -رحمه الله- راديو كنا نستمع إليه ثم عندما تخرج أخي الأكبر محمد من المعهد اشترى راديو بحجارة وقد وضع له تلبيسة من القماش لحمايته من الغبار وكنت أحمله إلى الخبت للاستماع إليه كما كنا نسهر بالليل على أغاني السهرة في معظم الإذاعات لكوكب الشرق أم كلثوم، استمرت علاقتي بالإذاعة إلى وقتنا الحاضر.
ومن ذكرياتي في جدة أنني كنت أزور مبنى الإذاعة في جدة بالقرب من مبنى المطار القديم وكنت أذاكر في مكتبة الإذاعة المليئة بالكتب والمجلات التي كان يطلع عليها مُعدّو البرامج والمذيعين الذين تميزوا بثقافة عالية على عكس ما هو عليه وضع الإذاعات اليوم من سخف وتسطيح وتهاون بعقل المستمع.
وقبل أربعين سنة حينما سافرت إلى الولايات المتحدة كانت دهشتنا كبيرة لكثرة أعداد الإذاعات والقنوات الخاصة والعامة والتي تعد بالمئات وتتميز بصفاء الصوت على عكس ما اعتدنا عليه من إرسال الإذاعات العربية التي تعتمد على الموجات القصيرة والمتوسطة في حين أن أمريكا في ذلك الوقت كانت تستخدم الإرسال على موجات الـ fm التي لم تعمل لدينا إلا قريبًا والتي تتميز بقلة التكاليف وقوة الإرسال لاعتمادها على الأقمار الصناعية، ومما كان يثير الدهشة لدينا حينما كنا في أمريكا أن كل شخص يملك المال وخاصة أصحاب الشركات والمعارض تكون لديهم محطات إرسال إذاعية أو تلفزيونية حتى أنه في ولاية أوكلاهوما كنا نشتري سياراتنا من أحد المعارض وكان صاحب المعرض لدية قناة تلفزيونية تبث دعاية عن سيارات المعرض.
وفي أيامنا هذه ورغم استخدام تقنية الـ fm في الإرسال إلا أنني استمع مجبرًا في أوقات الصباح والمساء إلى البرامج المفتوحة التي تشعر أن من يعدها إنما يخاطب مجتمع المقاهي أو الاستراحات دون مراعاة لبقية المستمعين فتشعر بالارتجال في اختيار الموضوعات وضعف المشاركات وعدم استضافة أصحاب الرأي من المختصين والمثقفين، ناهيك عن الأغاني الهابطة والمملة والبرامج الرياضية التي تتسم بالجدل والتعصب.
ترى أليس من رقيب وحسيب لهذا الهزال في أهم مصدر إعلامي يعمل دون أهداف أو رسالة واضحة؟!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عضو مجلس منطقة مكة المكرمة السابق ومدير تعليم القنفذة الأسبق